text
stringlengths
0
11.3k
وعلاوة على هدم أو حرق المقر الوطني للتشكيلات السياسية الرئيسية للمعارضة في بورتوبرانس وهي - منظمة الشعب المناضل (التي تضم أيضاً مجموعة الوفاق الديمقراطي وهي مجموعة دمر مقرها الذي زاره الخبير المستقل)، ومنظمة كونفدراسيون إينيت ديمقراطيك، والمؤتمر الوطني للحركات الديمقراطية، والتعبئة من أجل التنمية الوطنية، والتحالف من أجل تحرير هايتي وتقدمها والحزب الديمقراطي والمسيحي في هايتي، تم كذلك هدم أو حرق منازل 34 مسؤولاً سياسياً ومقر نقابة الفلاحين (مركز العمال الهايتيين) في جيريمي، ومدرستين ومركزين ثقافيين أو للبحوث ومؤسسة، أي ما لا يقل عن 46 حالة أحصتها لجنة التحقيق التابعة لمنظمة الدول الأمريكية (التقرير السابق ذكره، المرفق السادس).
25- وتم في مدينة غونايف نهب وحرق مقر الحركة المسيحية من أجل هايتي جديدة ومحل إقامة رئيسها، القس لوك ميساديو، واغتيال مساعده، السيد ر.
داران.
وزار الخبير المستقل مطولاً أيضاً المجمع التثقيفي ماناسيه الذي خرب والذي يديره القس سيلفيو ديودونيه، وهو نائب رئيس الحركة المسيحية في نفس الوقت.
ولاحظ أن النيران أساساً هي التي تسببت في الجزء الأكبر من هذه المدارس (القسم السابق لمرحلة الدراسة الإجبارية والقسم الإعدادي المختلط)، وأنه تم تدمير مكان عبادة ومحل إقامة القس وأخيه وخمس أسر.
26- ومعظم التجاوزات هذه حدثت يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2001 في بورتوبرانس، وبتيون - فيل، وكروا دي بوكيه، وكاب - هايتيان، ولي كاييس، ولي غونايف، وغراند ريفيار - دو - نور، وجاكميل، وجيريمي، وبيتي - غواف.
الأحداث التي وقعت في 2 آب/أغسطس 2002: اقتحام سجن غونايف
27- اقتحم حشد من المتظاهرين، كان بعضهم مسلحاً، سجن غونايف بعد تحطيم أحد جدرانه ببلدوزر، وهرب على إثر ذلك 153 معتقلاًً ومحكوماً عليهم بالسجن، منهم ثلاثة "ممن لا يجوز المساس بهم" المشهورين: وهم الزعيم السابق كاستيرا سيانفيس وجان تاتون، وكلاهما محكوم عليهما بالسجن المؤبد في الدعوى التي أقيمت بشأن مذبحة رابوتو، وأميوت ميتييه المتورط في عدة قضايا.
وتوضح حالته بوجه خاص سيادة الإفلات من العقاب.
28- وبما أنه خربت دار القضاء في مدينة غونايف ولم تعد المكاتب فيها قابلة للاستعمال، اضطر قضاة التحقيق للبقاء في منازلهم.
واستقبل المفوض الحكومي من جانبه الخبير المستقل، كغيره من الناس في فناء المحكمة الذي وضعت فيه بضعة مقاعد تحت شجرة، وذلك في الوقت الذي يحيا فيه "الهارب" أميوت ميتييه على بعد أمتار معدودة حياة عادية في ما يطلق عليه الشهود "بمقره العام" بعد زيارة الخبير المستقل للمكان.
ويدعي الهارب أنه لم يهرب بل إنه اختطف.
وقد لاحظ الخبير المستقل أنه لم يقدم أية شكوى في الواقع.
29- بيد أن ما لاحظه الخبير المستقل لدى اطلاعه على سجلات قلم السجن المحفوظة بدقة (1) أن هناك بيانات تشير إلى إيداعه السجن، و(2) أنه لا ترد أية إشارة إليه في الخانات المخصصة لقرارات الإفراج عن السجناء، و(3) أن اسم ميتييه لا يرد على قائمة السجناء الحاضرين.
ويكفي إذاً أن تعرض هذه المستندات على قاض تحقيق لكي يقرّ جنحة الهرب ويصدر أمراً بالتوقيف - كما يحدث في جميع البلدان - دون حاجة إلى انتظار النتائج المفترض أن يتوصل إليها التحقيق في الهجوم على السجن، وهو تحقيق يدعى أنه معقد، وهذا صحيح إلى حدّ ما بالنظر إلى عدد المتورطين في الهجوم.
الأحداث التي وقعت في مدينة الشمس
30- واستشهدت لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، في بيان مؤرخ 29 آب/أغسطس 2002، وقد لاحظت الزيادة الكبيرة في أعمال العنف اليومي بتدهور الوضع في مدينة الشمس الواقعة في ضواحي بورتوبرانس.
وأفادت المعلومات التي حصل عليها الخبير المستقل بأن المعركة التي دارت بين منظمتين شعبيتين لكسب النفوذ هي التي تسببت في مقتل عدد كبير من الأفراد وارتكاب أفعال اغتصاب يعاقب عليها القانون.
وقد هدم ما لا يقل عن 200 منزل.
ومن باب المفارقة، أن رئاسة الجمهورية استقبلت في نهاية شباط/فبراير 2002 المسؤولين عن هذه الجماعات المسلحة فتظاهر الضحايا وأسرهم أمام القصر الوطني للمطالبة بتعويضات.
وبرغم أن مرتكبي التجاوزات هذه أو مدّبروها لا تحفى هويتهم على أحد، فلم تتخذ أية إجراءات حتى الآن لملاحقتهم قضائياً.
جيم - تفاقم المساس بحرية الصحافة
31- تنص المادة 28-1 من الدستور الهايتي على "أن يمارس الصحفي مهنته بحرية في إطار القانون.
ولا يجوز إخضاع ممارسة هذه المهنة لأي تصريح أو رقابة"؛ وتجدر إضافة "لا قانوناً ولا فعلاً".
ولئن لم يكن هناك بالفعل إدارة مؤسسية للرقابة، إلا أن الصحفيين، وبخاصة صحفي الإذاعة، يخضعون في الواقع لضغوط شديدة لأن الغالبية العظمى من الشعب لا تطلع على الصحافة المكتوبة والمرئية إلا لماماً بسبب الأمية والفقر.
ونظراً إلى التساهل إزاء عمليات الابتزاز الخطيرة إن لم نقل التحريض عليها، فلم يعد أمام الصحفي الناقد الذي يود أن يأمن من الاضطهاد الذي يُرتكب في أغلب الأحيان من جانب هذه الجماعات المسلحة "المتعجرفة بحكم إفلاتها من العقاب" من خيار سوى الرقابة الذاتية أو المنفى أو الموت مثلما شهد على ذلك اغتيال جان دومينيك، الصحفي لدى إذاعة هايتي أنتير، في 2 نيسان/أبريل 2000، وإعدام برينيول ليندور، الصحفي لدى إذاعة إيكو 2000، في 3 كانون الأول/ديسمبر 2001.
32- وفي قضية جان دومينيك، وبالنظر إلى عدم قيام رئيس الجمهورية بتجديد ولاية قاضي التحقيق، السيد غاسان عند انتهائها حلت محله على نحو غير مألوف مجموعة من ثلاثة قضاة على أن هذه الولاية جددت في النهاية من قبل الرئيس بعد ثلاثة شهور.
وقد تخلى آخر الأمر عن مهنته وقد اختار المنفى في الولايات المتحدة باعتبار أن هذا الإجراء غير المألوف مس استقلاله.
وقد قابل الخبير المستقل القاضي خلفه سان - فيل الذي بدا عاقداً العزم على وضع حد للإفلات من العقاب الذي يلّف حتى يومنا هذا هذه الجريمة بسبب تورط أحد أعضاء مجلس الشيوخ ممن "لا يجوز المساس بهم" رغم اتهامه في كثير من عمليات الابتزاز وفقاً لما أفادت به مصادر عديدة.
33- وفي قضية برينيول ليندور، أفاد تقرير أولي صدر عن وزارة العدل وقدم إلى الخبير المستقل بأن قاضي التحقيق، السيد فريتزنير دوكلار، قد باشر سماع أقوال 33 شاهداً وأصدر 5 أوامر بالتوقيف أودع على إثرها أربعة أشخاص السجن.
وإذا كان هذا التقرير يدل على أن المفوض الحكومي قد انتهى من وضع قرار الاتهام النهائي وأنه أحال هذا القرار إلى قاضي التحقيق للأمر بإغلاقها، فهو يذكر بالتحديد، "أن الشرطة الوطنية الهايتية تواصل البحث بنشاط عن الأشخاص الذين أصدر قاضي التحقيق أوامر بتوقيفهم" (التقرير، الفقرة 4-3-1)، وهذا مدعاة للغرابة.
34- وسيتابع الخبير المستقل هاتين القضيتين بحرص شديد بالنظر إلى خطورتهما وأهميتهما من حيث المبدأ بأمل أن تساند السلطات المعنية القضاة مساندة فعلية في بحثهم عن الحقيقة.
35- وفي تقرير عمم في 17 كانون الثاني/يناير 2002 وضع اتحاد الصحافة في هايتي قائمة أشار فيها إلى حالتي الاغتيال السالف ذكرهما وإلى أسماء نحو أربعين صحفياً أكرهوا على الهجرة (17)، حيث كانوا ضحايا لاعتداءات بدنية أو أطلق عليهم الرصاص (2) أو تم تهديدهم، خاصة بالقتل (20).
والإذاعات المعنية هي إيكو 2000، وكاريبي، وإيبو، وميتروبول، وسينيال ف.
م.، وفيزيون 2000، وبال - أنس، وإكسبريس، وإيبين إيزير، وميتروبولي سود، وهايتي فوكوس، وإيفاتا، وثيوت، وغونايف، وتات - أ - تات، وتات - أنسانم، وأونيف بلوس وغالاكسي.
وأحصت رابطة الصحفيين الهايتيين خمس عشرة حالة أخرى منذ 1 كانون الثاني/يناير 2002، منها حالة الأمين العام الذي هدد بالقتل وفقاً لما أفاد به تقرير المحققين المستقلين التابعين لمنظمة الدول الأمريكية (التقرير، الفرع دال، الفقرة 3).
وخلال زيارة الخبير المستقل، تعرضت إذاعتا كيسكييا وإيبو لضغوط تنطوي على التهديد فأوقفتا إرسالهما على إثرها.
36- وهذه هي الحالات التي تمثل نيلاً فاضحاً من حرية الصحافة المطروحة على اللجنة لإبداء الرأي فيها.
وتبين هذه الحالات بوضوح مدى الإفلات من العقاب السائد في المجتمع في هايتي رغم التزامات السلطات بمكافحته.
دال - الثغرات التي لوحظت في سير عمل آليات النظام الجنائي والنتائج المترتبة عليها، لا سيما فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي المتطاول
37- أفادت الدراسة السابق ذكرها (الفقرة 8) التي أجراها معهد فيرا للعدالة بأن عدد المعتقلين في السجون الهايتية يبلغ الآن "ضعف ما كان عليه في عام 1995.
وأن ما يقرب من 80 في المائة من هؤلاء المعتقلين ينتظرون صدور حكم قضائي بشأنهم.
وتمر الأسابيع، بل والشهور، قبل أن يتم الإفراج عن معظمهم أو قبل أن تجري محاكمتهم، بل وتمر الأعوام بالنسبة لعدد لا يستهان به منهم.
38- وفي هذا السياق، كرس الخبير المستقل زيارته بشكل أخصّ لكاب - هايسيان للوقوف على سير عمل الآليات المحلية للنظام الجنائي فيما يتعلق بتطاول مدة الحبس الاحتياطي التي تتكرر.
وقد تمت على التوالي زيارة الجهات التالية: مركز الشرطة، ومحكمتي الصلح، ومحكمة الدرجة الأولى، والنيابة في شخص وكيل النيابة ممثلاً للمفوض الحكومي، والسجن حيث تبين لـه أن هناك أشخاصاً رهن الاعتقال منذ أكثر من أربع سنوات ولم يمثلوا أمام قاض تحقيق لأنه لم يكن قد تم تعيينه بعد من جانب أقدم القضاة وتبين ذلك للخبير المستقل لدى اطلاعه على السجلات المحفوظة وهو ما يود تأكيده لدى قلم السجن.
وفي حالتين أخريين، تبين للخبير المستقل أن أحد المعتقلين منذ أكثر من خمس سنوات (1 آب/أغسطس 1997) لم يْدعُه قاضٍ لسماع أقواله قط وكانت المرة الأخيرة التي دعي فيها في 15 شباط/فبراير 2002، في حين لم يُستدع المعتقل الثاني، المسجون هو الآخر منذ عام 1997 (19 آب/أغسطس) إلا مرة واحدة لسماع أقواله.
39- وأكد مدير السجن بالفعل أن حالة الاكتظاظ المتزايد في السجن (82 في المائة من المحبوسين حبساً احتياطياً) ترجع للأسف إلى إهمال أو تغيّب عدد من قضاة التحقيق.
40- وستعتبر اللجنة بالتأكيد أن هذه أخطاء جسيمة تبرر على الأقل قيام هيئة التفتيش القضائي بزيارة السجون.
41- والسبب الآخر لاكتظاظ السجون، على حد ما لاحظه الخبير المستقل، هو صرامة بعض العقوبات التي لا تتناسب مع الأفعال (على سبيل المثال 15 سنة سجن لسرقة ثلاث نقالات، أو السجن المؤبد لسرقة كيس أرز).
42- وتطاول مدة الحبس الاحتياطي مثيرة للقلق المتزايد بسبب أوضاع السجون التي يرثى لها والتي تفاقم الطابع العقابي للاحتجاز (قدم المباني، وعدم وجود زنزانات فردية، واكتظاظ الزنزانات الجماعية، وسوء التهوية وقلة الإضاءة؛ ونوم عدد كبير من السجناء على الأرض أو بالتناوب بسبب صغر المكان لوضع عدد كاف من الأسرة).
وتجدر الإشارة مع ذلك إلى أن القصر مفصولون عن البالغين والمتهمين عن المحكوم عليهم.
43- وقصور الهياكل الأمنية (قلة الموظفين وانعدام الأسوار الآمنة)، كما هو حال الكثير من السجون، هي التي تحول دون استعمال فناء السجون وتحرم السجناء من الفسحة والقيام بأنشطة خارج الزنزانات.
وتتسبب من ثم في نقص الفيتامين ألف (الشمس ضرورية لتكوين الفيتامين دال) وهو نقص لا يظهر بسرعة، ولذلك قامت مصلحة السجون باعتماد وجبات غذائية أسبوعية على الصعيد الوطني لتعويض السجناء عن نقص الفيتامين ألف وتمويل هذه الوجبات بإدراجها في ميزانية كل سجن اعتباراً من تشرين الأول/أكتوبر 2002.
وسيحرص الخبير المستقل بشدة على وضع هذا الإجراء الذي طال انتظاره موضع التطبيق.
44- وأفادت المعلومات الدقيقة والمتطابقة التي حصل عليها الخبير المستقل خلال زيارته كثرة الحالات التي تتجاوز فيها الشرطة الساعات ال‍ 48 المقررة بالدستور للحبس الاحتياطي، وتبين للخبير المستقل مع ذلك أن لا وجود لهذه المخالفات في مركز شرطة كاب - هايسيان الذي زاره لأن نائب المفوض الحكومي المحترف يعاينه باستمرار بغرض المراقبة الموقعية لمدة الحبس الاحتياطي.
45- ولذلك يقترح الخبير المستقل القيام خلال زياراته القادمة بدراسة آلية النظام الجنائي بأكملها وأوجه الخلل فيها على سبيل الأولوية.
هاء - العناصر الفاعلة في المستقبل: دورها الحاسم الواجب دعمه على سبيل الأولوية
46- أخذ الخبير المستقل الكلمة في ختام زيارته أمام الصحافة فأعلن فيما يتعلق بالأشخاص الذين أطلق عليهم وصف "الأمناء" أن: "هؤلاء "الأمناء" هم في نظره عناصر أساسية.
فهم أولى الجهات الفاعلة في التغيير.
هذه العناصر - التي قابلت عدداً منها - تتألف من رجال ونساء يؤدون مهامهم بإخلاص، واحترافهم شرف لهم، وهم يتحلون بالشجاعة ولا ينكسر عودهم أمام أول عاصفة تواجههم.
وباختصار، هم يشرفون المهنة التي يمارسونها".
47- وقد قابل الخبير المستقل خلال زيارته هؤلاء "الأمناء" سواء من بين القضاة (قضاة الصلح وقضاة التحقيق والمفوضين الحكوميين) أو في مراكز الشرطة أو مصلحة السجون.
ولا يزال عددهم قليلاً ولكن، بالنظر إلى الدور النموذجي الذي يؤدونه، ينبغي تشجيعهم ودعمهم بل وترقيتهم لا تحييدهم كما يحدث في كثير من الأحيان.
ففي سياق كهذا سمته الإفلات من العقاب، ألا يرتكز مصير الشعب الهايتي إلى حد كبير على هؤلاء القضاة وعلى المجتمع المدني؟ لنذكر مثالين اثنين، مثال بشأن القضاة وثان بشأن المنظمات غير الحكومية.
48- فيما يتعلق بالقضاء، يجدر الاستشهاد بثلاث محاكم تحولت إلى محاكم نموذجية.
وهذا المشروع، الذي أعد بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قدمه رئيس الوزراء، بحضور الخبير المستقل، "كتحد موجّه ضدّ الظلم والإفلات من العقاب والفساد".
وفي رأي الخبير المستقل أن هذا المشروع لن ينجح بصرف النظر عمّا يقال وعن الوسائل المتاحة لـه، إلا بتعيين قضاة في هذه المراكز ممن تحملوا مخاطر استقلالهم وموظفين ممن يشغلون مراكز ذات مسؤولية في جهاز الشرطة ومعترف بتصرفاتهم القانونية وبنزاهتهم.
49- وفيما يتعلق بالمجتمع المدني، يجدر ذكر تجربة مكتب المساعدة القانونية في كاب - هايسيان (الذي أنشئ بمساعدة المنظمـة البلجيكية غير الحكومية Réseaux citoyens).
وحيث لم تكن للدولة الوسائل اللازمة لإنشاء برنامج للمساعدة القانونية، قام المجتمع المدني بسد هذه الثغرة باتخاذ مبادرات مثل إنشاء مكتب المساعدة القانونية الذي زاره الخبير المستقل.
ويجمع هذا المكتب بين المساعدة القانونية والتدريب على توفير المساعدة القانونية، ويقوم بتعيين طلبة أو حديثي التخرج من كلية الحقوق بعد إجراء اختبارات ومقابلات معهم.
ويتولى محامون ذوو خبرة تدريبهم أسبوعياً ومساعدتهم من جهة أخرى في إعداد الرسالة اللازمة لممارستهم مهنة المحاماة.
وهؤلاء "المعاونون القانونيون" الذين يتقاضون أجرا بسيطاًً مقابل عملهم ويؤدونه أحياناً مجاناً يمثلون الخاضعين للقانون المعوزين الذين توضع قائمة بهم بعد فحص إيراداتهم المالية بدقة.
والمكتب الذي فتح مكاتب فرعية لـه بالتدريج في مواقع قريبة يسعى إلى تأمين وجود له في الأوساط الريفية.
وهو يؤدي عمله مـن الآن فصاعدا على أروع وجه وقد تولى قانونيون هايتيون إدارة شؤونه بالكامل.
وأبدى معهد فيرا للعدالة "إعجابه بعمـل هؤلاء القانونيين" (التقرير، ص 14)، ويشاطر الخبير المستقل المعهد وجهة نظره هذه وقد عقد معه جلستي عمل.
50- وهذه المبادرة التي اتخذتها الجهات الفاعلة في المستقبل جديرة بأن تحظى بمساعدة أكبر في إطار تعاون تقني متجدد.
ثانياً- أنشطة التعاون التقني: من أجل نهج جديد
51- في ضوء ما تقدم، قد تبدو النتائج التي حققها التعاون التقني الثنائي أو المتعدد الأطراف على مدى السنوات العشر هزيلة مقارنة بكلفته.
ورغم صحة هذا الحكم، فلا بد من إبداء ملاحظتين:
إن كلفة التعاون التقني مرتفعة بالتأكيد ولكن ينبغي تقديرها قياساً بالمبالغ الهائلة التي خصصتها دول معينة في الماضي لتعاون لم يكن له هدف آخر سوى استمرار نظام دوفالييه في الحكم لمدة ثلاثة عقود، وهو نظام قضى على سيادة القانون ومزق النسيج الاجتماعي؛
فيما يتعلق بالوضع الراهن، أسفر التأثير في العمق للبرامج السالف ذكرها - بغض النظر عما ارتكب من أخطاء في مجال التصميم - عند إيجاد نوع من "التربة العضوية" التي خرجت منها تدريجياً عناصر المستقبل هذه التي "اكتشفها" الخبير المستقل خلال مباحثاته.
وهؤلاء هم في أغلب الأحيان مهنيون تشبعوا بروح البعثة المدنية الدولية في هايتي ويفتخرون بالتدريب الذي تلقوه، لاسيما في كلية التدريب القضائي ويشعرون مع ذلك بخيبة أمل لأنه تم التخلي عنهم في حين أنهم قبلوا المخاطرة.
52- وقبل تحديد مضمون التعاون التقني الجديد، لا بد من التساؤل عن الأسباب التي جعلت التعاون الماضي، رغم أهمية التعهدات والجهود المالية التي بذلها المجتمع الدولي ورغم إيجابية نتائجه في البداية، تعاوناً يستشعر منه حالياً الفشل من جوانب متعددة.
53- ويرى الخبير المستقل الذي يستند إلى النتائج التي خلص إليها بنفسه وإلى التحاليل الواردة في التقرير الختامي لبعثة الخبير الاستشاري لدى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التقرير السالف ذكره (الفقرة 20) الذي وضعته لجنة التحقيق التابعة لمنظمة الدول الأمريكية والدراسة السابق ذكرها (الفقرة 8) التي أجراها معهد فيرا للعدالة، أن هذه الأسباب تاريخية وسياسية في المقام الأول، فمنذ أن حصلت هايتي على استقلالها في عام 1804، وبسبب تعاقب الأنظمة الاستبدادية والأنظمة الديكتاتورية، لم تتشرّب الممارسات السياسية والاجتماعية الديمقراطية وحقوق الإنسان كثقافة إلا ندراً.
ومن ثم هذا القصور، بل وانعدام "ثقافة الدولة" لدى عدد من القادة السياسيين وكوادر الإدارة العليا.
54- وفي الأجل الطويل، يمكن أن تقضي هذه الثغرة التي يتكرر وجودها على مبدأ استمرارية الدولة في حد ذاته.
55- وإن الأمل معقود من ثم على إحداث تغيير لا رجوع فيه بالتوجه نحو الديمقراطية بعد أن تولى رئيس مهام منصبه في عام 1990 للمرة الأولى في تاريخ هايتي إثر انتخابه بصورة ديمقراطية.
والواقع أن الحكومات الأولى التي تشكلت بعد انهيار النظام الديكتاتوري قد اتخذت مبادرات بقطع الصلة مع الماضي وهي مبادرات اعتبرها المجتمع الدولي عن حق بمثابة ضمانات لعملية دائمة الحيوية (حل الجيش، وإنشاء شرطة مدنية، وهيئة تفتيش، ومكتب أمين المظالم).
56- وانخرط المجتمع الدولي في دينامية هذه الفترة، فشارك بفعالية في تعزيز العملية التي بدأ تنفيذها بفضل ما أسمته المنظمات غير الحكومية "ثقافة البعثة المدنية الدولية في هايتي".
57- ولكن سرعان ما أفرز القصور التاريخي في ثقافة الدولة حالة ركود ثم حالة تقهقر.
وجاء الإنذار الأول من استمرار بقاء حكومة قائمة في الواقع بعد استقالة رئيس الوزراء؛ ثم من قرار الرئيس ، في الواقع أيضاً، بحل البرلمان في كانون الثاني/يناير 1999، وهذان قراران لا يتفقان مع الإرادة المعلن عنها لإقامة دولة يسودها القانون.
58- والعلامة الأخرى المثيرة للقلق هي البروز القوي للمنظمات التي يطلق عليها اسم "المنظمات الشعبية".
فالمبادرة بإنشاء هذه المنظمات كانت كفيلة بأن تسهم في حد ذاتها في توطيد عملية إرساء الديمقراطية التي كانت قد بدأت، وذلك بتمكين العقليات من أن تتطور نتيجة لممارسة الديمقراطية على المستوى القاعدي.
59- بيد أنه تم استعمال هذه المنظمات الشعبية تدريجياً لأغراض سياسية حزبية، لا سيما في المظاهرات العنيفة التي نظمت في الشوارع لتحييد المعارضة، بل لإبعاد المغضوب عليهم من معسكرهم بحيث تحولت هذه المنظمات بعد أن حادت عن غايتها إلى مجموعات شبه حكومية، مسلحة في أغلب الأحيان، ومصدر عنف أكثر مما هي مصدر للديمقراطية وتفلت تدريجياً من حكم السلطة المركزية.
60- فهل كان ينبغي للمجتمع الدولي أن ينسحب جماعياً من هايتي في ظل ظروف كهذه خلال عامي 2000 و2001 لما رأى، عن حق، أن الدولة، بصرف النظر عن الإعلانات الرسمية، لم تعد تعطي ضمانات كافية - من حيث الإرادة السياسية - لترسيخ عملية الديمقراطية؟ أم كان ينبغي النظر في وضع استراتيجية إحلال تتكيف والوضع السياسي الجديد؟
61- من السهل، بالتأكيد، تحديد طريقة للعمل، على ضوء التجربة، خاصة وأن بعض آثار التعاون الإيجابية الباقية والمحدودة مع ذلك، ربما حجبت الرؤية أمام المجتمع الدولي ليلمس بنفسه تدهور الحالة.
62- وما ينبغي ملاحظته اليوم على كل هو أن السلطات قد تخلت عن برامج إصلاح عديدة بعد انسحاب التعاون الدولي بشكل جماعي، هذا التعاون الذي كان يسهم بشكل غير مباشر في تأمين استمرارية الدولة (ولم يبق منه سوى جانب مخصص "للقضاء" وجانب مخصص "للسجون" في إطار برنامج ما بعد البعثة المدنية الدولية للدعم في هايتي الذي شرع في تنفيذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ عامين) واقتران هذا الانسحاب بالتناوب المتكرر للملاك السياسي على السلطة ولو استمرت هذه البرامج، رهناً بتعديلها إلى حد كبير لتكييفها مع الحالة الجديدة، لسمحت قطعاً بظهور مستديم لهذا الجيل المكون من العناصر الفاعلة في المستقبل - القليل العدد والنشط مع ذلك - وهو جيل يشكل خميرة ثقافة دولة القانون التي لا غنى عنها في أية عملية لترسيخ النظام الديمقراطي.
63- بوازع من هذه الروح، يقترح الخبير المستقل إيلاء الاعتبار للمقترحات التالية:
(أ) القيام، بالتشاور مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الدول الأمريكية، بإعداد استراتيجية تعاون نوعية لا كمية تهتم على سبيل الأولوية بإعادة تحقيق التوازن لصالح
أصحاب المهن الذين لديهم من الأسباب ما يحملهم على الاعتقاد - بفضل احترافهم وتمسكهم بالقانون واستقلالهم الفكري - بأنهم الآن أو سيكونون الجهات الفاعلة في المستقبل؛