أهل السُّنَّة والجماعة هم أكبر مجموعة دينية إسلامية من المسلمين في معظم الفترات من تاريخ الإسلام، وينتسب إليهم غالبية المسلمين، ويُعرِّف بهم علماؤهم أنهم هم المجتمعون على اتباع منهج السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب الفقهية المعتبرة من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم وأخذ عنهم طريقتهم بالنقل والإسناد المتصل. ولم تكن هذه التسمية مصطلحا متعارفا عليه في بداية التاريخ الإسلامي حيث لم يكن هناك انقسام ولا تفرق، وإنما ظهرت هذه التسمية تدريجياً بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين تحت مسميات مختلفة، وكان لقب أهل السنة يطلق على أهل العلم من أئمة الصحابة ومن تبع طريقتهم المسلوكة في الدين، حيث ورد في مقدمة صحيح مسلم عن ابن سيرين أنه لما وقعت أحداث مقتل الخليفة عثمان بن عفان، والتي يشير إليها باسم "الفتنة" أنه قال: ، فالأئمة في الدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان هم أهل السنة أي: أصحاب الطريقة المتبعة في الدين باعتبار أن طريقتهم التي كانوا عليها قائمة على اتباع منهاج الهدي النبوي حيث نقلوا علم الدين بعمومه، واستند عليه علمهم فيما بينوه وفيما استنبطوه وفق أصول الشريعة. كان أخذ علم الدين مختصا بالحاملين له من الصحابة وكانوا في صدر الإسلام يسمونهم القراء لقراءتهم القرآن وعلمهم في الدين، وبحسب ما ذكر ابن خلدون أنه بعد تمكن الاستنباط الفقهي وكمل الفقه وصار علما بدلوا باسم الفقهاء والعلماء بدلا من القراء، وانتقل علم الصحابة إلى التابعين وأخذ عنهم الأئمة من بعدهم، ثم انقسم الفقه فيهم إلى: طريقة أهل الرأي في العراق ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه أبو حنيفة، وطريقة أهل الحديث في الحجاز وإمامهم مالك بن أنس والشافعي من بعده. بعد القرن الهجري الثاني بحسب ما ذكر ابن خلدون وغيره أن جماعة من السلف تعلقوا بظواهر نصوص متشابهة وبالغوا في إثبات الصفات فوقعوا في التجسيم، وبالمقابل فأن المعتزلة بالغوا في التنزيه فأنكروا صفات ثابتة، وأما أهل السنة حينها فكان منهم جماعة مثل: أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصفهاني وآخرون أخذوا بمنهج المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث كمالك بن أنس وغيره فقالوا في النصوص المتشابهة: نؤمن بها كما هي ولا نتعرض لتأويلها، وكان جماعة من أهل السنة في عصر السلف أيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية. بعد حدوث بدعة المعتزلة والمشبهة وغيرها وانتشار مقولاتهم في أواخر عصر السلف بحسب ما ذكر ابن خلدون وغيره قام أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي بإيضاح عقائد السلف من أهل السنة ودفع الشبه عنها وتأييدها بالأدلة العقلية والنقلية بمناهج كلامية وكتبا عن مقالات الفِرق، فكان من ذلك تمايز هذه الفِرق التي كتب العلماء عنها في "كتب الفِرق" جلها في القرن الرابع الهجري ومنهم عبد القاهر البغدادي من فقهاء المذهب الشافعي في كتابه: "الفَرق بين الفِرق"، ذكر فيه أهل السنة والجماعة هي الفِرقة الثالثة والسبعون وأنهم جماعة واحدة من فريقي الرأي والحديث، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وربما اختلفوا في بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا، وكانت التسمية تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفِرق. والسُّنة لغةً الطريقة والسيرة، وتكون بمعنى الطريقة المسلوكة في الدين، أو المثال المتبع والإمام المؤتم به، أو في مقابل البدعة، ويختلف معنى السنة عند علماء الشريعة بحسب المقصود منها. قال الشافعي: . وسنة الرسول منهج لكل المسلمين، فهو إمام الأمة وأولى الناس بأمته ومعلمهم الأول، والمقصود بالسنة التي دلت نصوص الشرع على لزومها ووجوب اتباعها هي الطريقة النبوية المشار إليها في النصوص إشارة نوعية لا شخصية، قال العيني: السُّنَّة: وسنته طريقته في الدين وسبيله إلى الله وعلمه ومنهجه وهديه الذي كان عليه هو وأصحابه، فإنهم أخذوا عنه علم الدين واهتدوا بهديه وكانوا من بعده قدوة للأمة، فالسنة هي الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها هو وأصحابه والخلفاء الراشدون من بعده في الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، وهذه الطريقة عند أئمة أهل السنة والجماعة هي المثال المتبع في الدين، الذي كان عليه الخلفاء الراشدون وأئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فيشمل سنة الخلفاء الراشدين ومن سار سيرتهم من أئمة الإسلام المجتهدين في الأحكام فإنهم خلفاؤه من بعده المبلغون عنه الحاملون لهديه، واتباع طريقتهم في الدين عند الاختلاف هو اتباع لطريقته في الرجوع إليهم فيما أشكل من الأمور، واتباعهم فيما اجتهدوا فيه واجتمعوا عليه بعد عصر النبوة، لكونه اتباعا لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهادا مجتمعا عليه منهم أو من خلفائهم؛ فإن إجماعهم إجماع. ويدخل كل ما حدث منهم مثل جمع القرآن في مصحف واحد وتدوين الدواوين وكتب العلم وغير ذلك من الأمور لكونها موافقة لأصول الدين وإن أحدثت بعد عصر النبوة. قال الله تعالى: وقال تعالى: . فالسنة عند أئمة أهل السنة والجماعة هي هذه الطريقة المأمور في الشرع باتباعها على أساس أن اتباع هؤلاء الأئمة قائم على اتباع هدي النبوة الذي هو سبيل الاهتداء إلى الصراط المستقيم. والمتفقون على هذه الطريقة هم الجماعة وهم أهل العلم الشرعي. والجماعة في هذه التسمية تشير إلى جماعة أهل السنة والجماعة من معنى الاجتماع على هذه الطريقة. وقد جاء في الحديث الأمر باتباع السنة واجتناب البدعة، وأهل السنة والجماعة يفسرون البدعة بمعناها الشرعي بأنها البدعة في الدين التي لا أصل لها في الشريعة، وهي التي ورد في الشرع ذمها ووصف صاحبها بالضلال والموعود عليها بالنار، وهي عندهم تشمل صنوف البدع التي استحدثتها الفرق التي ظهرت في العصور المتقدمة من التاريخ الإسلامي، مثل: بدع الخوارج ومن تبعهم والقدرية والمجسمة وغيرهم، وكانت أول بدعة ظهرت في الإسلام فتنة الخوارج الذين انشقوا عن جماعة المسلمين وأعلنوا خروجهم عن علي بن أبي طالب، وغالوا في الوعيد فقالوا بتكفير العصاة وتخليدهم في النار، واتخذوا من تكفير المسلمين مبررا للخروج على ولاة الأمر واستباحوا بذلك دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم بغير حق، وقصروا الإيمان على جماعتهم، وتشعبت منهم فرق كثيرة. وأهل السنة والجماعة هم السواد الأعظم من أهل العلم الشرعي أصحاب المذاهب الفقهية الأئمة المجتهدون وعلماء الشريعة عبر التاريخ الإسلامي، ويدخل فيهم من سواهم ممن تبعهم ووافقهم من المسلمين، واستقر الفقه عندهم في عصور المتأخرين على تقليد المذاهب الأربعة في الأمصار وعمل كل فقلد بمذهب من قلده، وأئمتهم المتقدمون قد اتفقوا على قول واحد في أصول الاعتقاد، وعلى صحة خلافة الخلفاء الأربعة الأوائل: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ويؤمنون بعدالة كل الصحابة، وبوجوب السكوت عما جرى بين الصحابة، وإثبات أجر الاجتهاد لهم، ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه، واتفقوا على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم جواز الخروج عليهم. وإن كانوا عصاة، قال النووي: . التسمية. أهل السنة والجماعة لقب جرى استعماله منذ فترات متقدمة من تاريخ الإسلام للدلالة على أصحاب الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها الخلفاء الراشدون والأئمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث ومن تبعهم وسار على طريقتهم، ولم يكن لقب أهل السنة والجماعة اصطلاحا متعارفا عليه في بداية التاريخ الإسلامي، حيث لم يكن هناك انقسام ولا تفرق بين المسلمين، فلم يكونوا بحاجة لتسمية تميزهم حيث لم يكونوا متفرقين ولا مختلفين في أصول الدين وكلياته، وإن وقع اختلاف بين الأئمة المجتهدين في غير ذلك من المسائل الفرعية فهو أمر أقره الشرع، وغالبا ما كان ينتهي بالإجماع، وكلهم مجتمعون على هدي النبوة، وكان يطلق على عموم المؤمنين بدين الإسلام اسم: «المسلمين» أو أهل الإسلام، وكان يطلق على الأئمة منهم أهل العلم أو القراء أي: المتعلمون أو الفقهاء بمعنى علماء الدين، وإنما بدأت التسمية تظهر تدريجيا بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين تحت مسميات مختلفة، فالأمة الإسلامية أمة واحدة منذ نشأتها وهذا ما أكده الله في القرآن بقوله: ، وقوله تعالى: . وصراط الله المستقيم طريق دين الإسلام الذي لا اعوجاج فيه، والسبل المتفرقة طرق الضلال. وأصل التسمية قبل أن تكون لقبا متعارفا عليه قد جرى استعمالها عند أئمة أهل السنة في عصر السلف، حيث كانوا يستعملون عبارة: أهل السنة بمعنى: أصحاب الطريقة المتبعة في الدين وهم الأئمة أهل العلم الشرعي الذي يحمله من كل خلف عدوله، وكانوا يستعملون كلمة: السنة بمعنى العلم في الدين عموما، فيقولون مثلا: فلان أعلمهم بالسنة، والمقصود من هذا هو العلم بالشريعة، ولما وقعت الفتنة التي ظهرت أحداثها بالخروج على الخليفة عثمان بن عفان ثالث الخلفاء وأدت إلى مقتله بدء ظهور استعمال تسمية أهل السنة في تلك الفترة، وبحسب ما جاء عن ابن سيرين أن لقب أهل السنة يراد به أئمة علماء الدين وحملة الشريعة، تمييزا لهم عن المخالفين لهم، وكان سبب ذلك أن وقوع تلك الفتنة المشار إليها حمل ظواهر غريبة تمثلت فيمن انتسب إلى علم الشريعة من غير أهلها، وجرى استنكار ذلك ووضع شروط معينة لنقل ورواية الحديث من أهمها الإسناد والعدالة، ففي صحيح مسلم: عن محمد بن سيرين قال: عن ابن سيرين قال: . وفي رواية للترمذي في العلل: عن ابن سيرين قال: . روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة يقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ". فالسنة التي جاءت في كلامه بمعنى الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها الخلفاء الراشدون والأئمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان في الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، وأهل السنة هم أهل العلم في الدين رواية ودراية، فالرواية نقل نصوص القرآن والحديث وأقوال الأئمة، والدرية العلم في الدين، فأهل السنة يراد بهم أهل العلم المشتمل على الرواية والدراية معا، وقد ذكر ابن سيرين أهل السنة في مقابل أهل البدعة، وأهل السنة كانوا في حينها يفسرون أهل البدعة بأنه يشمل جميع أهل الزيغ والأهواء الذين ابتدعوا في الدين ما ليس منه مما لا أصل له في الشريعة، كالخوارج والقدرية وغيرهم من الفرق التي ظهرت في العصور السابقة، فإنهم تكلموا في الدين بأهوائهم، روى البخاري في صحيحه تعليقا في وصف الخوارج ما نصه: . من المهم جدا معرفة الألفاظ المستعملة عند أئمة السلف، ففي عبارة ابن سيرين عند قوله: تفيد أن رواية الحديث لم تكن مقصورة على أهل السنة، بل إن من وصفهم بالبدعة كذلك يروون الحديث، وأن الحديث جزء من تعريف أهل السنة، إذ المراد بهم أهل العلم الشرعي، وهو ما دلت عليه نصوص أئمة السلف من أنهم لا يقصدون بأهل السنة رواة الحديث، بل يقصدون بذلك أهل العلم المشتمل على رواية الحديث. كان أئمة الصحابة والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان مرجعا للمسلمين بعد عصر النبوة في أمور الدين، من حيث أنهم نقلوا الدين وعلم الشريعة بعمومه، فلا يقتصر علمهم على النقل فقط بل يشمل كل ما نقلوه وتعلموه وما اختصوا به من المعرفة بتفسير الدين وفهم الشريعة واستنباط الأحكام الفقهية لما لديهم من أهلية الاجتهاد ومعرفة الناسخ والمنسوخ وغير ذلك ولكونهم أعلم من غيرهم بالشريعة، وقد جاء عن أئمة أهل السنة في عصر السلف أنهم كانوا يسمون هؤلاء الأئمة بـ أهل السنة أي: أصحاب الطريقة المسلوكة في الدين التي كانوا عليها من الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، وهذه الطريقة عندهم قائمة على اتباع منهاج النبوة من حيث أنهم نقلوا علم الدين وفهموه واستنبطوا منه، والصحابة لم يكونوا كلهم أهل فتيا، بل كان مختصا بعلماء الشريعة منهم الذين تخصصوا منذ عصر النبوة للعلم في الدين، وكان يطلق عليهم في صدر الإسلام لقب: القراء أي: المتعلمين، وكان المتعلم منهم يقال له قارئ، وبعد انتشار التعليم أصبح يطلق عليهم: الفقهاء أي: أئمة الدين وعلماء الشريعة، وبحسب ما ذكر ابن خلدون أن لقب القراء كان يطلق في صدر الإسلام على المختصين بعلم الشريعة، وبعد توسع التعليم وتمكن الاستنباط الفقهي عند الأئمة المجتهدين حيث أصبح الفقه صناعة وعلما بدلوا لقب: القراء باسم: الفقهاء والعلماء. وانتقل فقه الأئمة المجتهدين من الصحابة والتابعين إلى الأئمة المجتهدين من بعدهم، وصار الفقيه لقبا لأئمة المذاهب الفقهية، ثم اشتهر من ذلك طريقتان للمنهج الفقهي حسب ما ذكر ابن خلدون هما: منهج فقهاء أهل الرأي والقياس في العراق ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه أبو حنيفة، ومنهج فقهاء أهل الحديث في الحجاز وإمامهم مالك بن أنس والشافعي من بعده. ثم إن الإمام الشافعي وضع علم أصول الفقه في كتابه: الرسالة وجمع بين الطريقتين، والفرق بينهما أن طريقة أهل الرأي توسعوا في القياس أكثر، وهاتان الطريقتان هما اللتان اشتهرتا بعد ذلك عند فقهاء أهل السنة، باعتبار أنه منهج فقهي. بعد تمايز الفرق التي ظهرت في تاريخ الإسلام وكشف مقولاتها في عصر المتقدمين جمع العلماء مخالفات هذه الفرق وبينوا مسمياتهم ومقولاتهم، وحصروا عدد تلك الفرق ودونوا تواريخها وجمعوها في كتب الفرق، وذكر في كتاب الفرق بين الفرق أن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الثالثة والسبعون من فريقي الرأي والحديث، وكان منهم أئمة القراء والمحدثون والفقهاء وأهل النظر، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وأئمتهم المتقدمون قد اتفقوا على هذه الأصول وبينوها ودونوها وأخذها عنهم المتأخرون، واختلاف الأئمة المجتهدين في فروع الأحكام لا يدخل في هذا التفرق بالاتفاق، ولا يلحق بسببه تفسيق ولا تبديع ولا تكفير، وبحسب ما جاء في كلامه أن هذه التسمية كانت تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفرق المخالفة لهم في أصول الدين. مفهوم كلمة السنة. التعريف اللغوي. السُنَّة في اللغة الطريقة المسلوكة والمثال المتبع الذي يقتدى به والسيرة المتبعة، والعادة المستمرة الدائمة، وعرفها ابن جرير الطبري بمعنى: . قال لبيد: وسَنَّة الله: أحكامه وأمره ونهيه، وسننها الله للناس: بينها. وسن الله سنة أي: بين طريقا قويما، والسُنَّة أيضا بمعنى: السيرة، حسنة كانت أو قبيحة، ويقال: سننتها سننَّا، وسننتها بمعنى: سرتها، وسنة الأولين سيرتهم، ويقال: سننت لكم سنة فاتبعوها أي: سيروا عليها، وفي الحديث: يريد من عملها ليقتدى به فيها، وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم بعده، قيل: هو الذي سنه، قال نصيب: وقد تكرر في الحديث ذكر كلمة: «السُنَّة» وما تصرف منها، والأصل فيه أنها بمعنى: الطريقة والسيرة، وقال ابن منظور: . ومما يدل على هذا حديث: «إنما أنسى لأسن» أي: إنما أدفع إلى النسيان لأسوق الناس بالهداية إلى الطريق المستقيم، وأبين لهم ما يحتاجون أن يفعلوا إذا عرض لهم النسيان، قال: ويجوز أن يكون من سننت الإبل إذا أحسنت رعيتها والقيام عليها، وفي الحديث: «أنه نزل المحصب ولم يسنه» أي: لم يجعله سنة يعمل بها. قال في التهذيب: السنة الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة، معناه: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة، وهي مأخوذة من السنن وهو الطريق. قال أبو عبيد: . قال الآمدي: السنة في اللغة: الطريقة، فسنة كل أحد ما عهدت منه المحافظة عليه والإكثار منه، سواء كان ذلك من الأمور الحميدة أو غيرها. قال في شرح الكوكب المنير: . وتسمى بها أيضا: العادة والسيرة، قال في البدر المنير: ، وقال في القاموس:. بالمعنى الشرعي. تستعمل كلمة: «السُنَّة» وما تصرف منها بالمعنى الشرعي لمعان متعددة عند علماء الشريعة الإسلامية على اختلاف مجالات العلوم الشرعية بحسب المقصود منها في كل علم، قال الشافعي: . فتطلق السُنَّة عند علماء الفقه على: «ما كان من العبادات نافلة منقولة عن النبي عليه السلام»، وتطلق تارة على المندوب أو المستحب الذي يقابل الفرض وغيره من الأحكام الخمسة. السنة عند المحدثين هي: . فهو بمعنى: نقل ورواية ما أثر من الأقوال والأفعال والإقرار والرواية حقيقة أو حكما، ويشمل سيرته وصفاتة الخلقية والخلقية وحركاته وسكناته في اليقظة وفي المنام قبل البعثة وبعدها. السنة عند علماء أصول الفقه هي: ، قال تقي الدين الفتوحي في تعريف السنة في اصطلاح علماء أصول الفقه هي: . أو: ، وهذا النوع هو المقصود بالبيان في علم أصول الفقه. قال سيف الدين الآمدي: . والأقوال تشمل الأمر والنهي والتخيير والخبر وجهات دلالتها ضمن الأدلة المنقولة الشرعية. قال تقي الدين الفتوحي: ، وقال أيضا: . وتطلق السنة عند علماء العقيدة علي . وتطلق السنة في العرف الشرعي العام على كل ما هو منقول من السنة النبوية أو عن الصحابة والتابعين، قال تقي الدين الفتوحي: «واحترز بقوله: «اصطلاحا» من السنة في العرف الشرعي العام، فإنها تطلق على ما هو أعم من المنقول عن النبي وعن الصحابة والتابعين؛ لأنها في اصطلاح علماء الأصول: . تستعمل كلمة: «السنة» في العرف الشرعي العام بمعنى الطريقة، قال ابن حجر: . وهذا تعريف للسنة بمعناها الأعم الذي لا يقتصر على الحديث النبوي، فهو بمعنى: الطريقة النبوية والهدي النبوي بعمومه، وما يدخل ضمن ذلك من سنة الخلفاء الراشدين والأئمة المجتهدين. وقد تستعمل في العرف الشرعي العام بمعنى الدين كله باعتبار أنه مبلغ الدين عن الله وكل ما جاء بطريق الوحي لا يعلم إلا من جهته، فسنته هديه وطريقته وسبيله إلى الله وهي دعوتة التي دعى إليها والطريقة التي كان عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته. والسنة عند أئمة السلف الصالح هي العلم في الدين، قال ابن حجر العسقلاني: قال الأوزاعي: . وأخرج أبو عبيد ويعقوب بن شيبة عن ابن مسعود قال: . وقال أبو عبيدة معناه أن كل ما جاء عن الصحابة وكبار التابعين لهم بإحسان هو العلم الموروث، وما أحدثه من جاء بعدهم هو المذموم، وكان السلف يفرقون بين العلم والرأي فيقولون للسنة علم ولما عداها رأي. وعن أحمد: . وعن ابن المبارك: . قال ابن حجر: . السنة المأمور باتباعها. السنة التي دلت نصوص الشرع على الأمر باتباعها هي الطريقة النبوية بمفهومها الأعم عند علماء أهل السنة والجماعة فيدخل فيها سنة أئمة الدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، وفسرها أئمة أهل السنة من السلف المتقدمين بمعنى: علم الدين والشريعة المنقول عن أئمة الصحابة وعلمائهم وأئمة التابعين لهم بإحسان، وكانوا يفسرون السنة التي دلت نصوص الشرع على لزوم اتباعها بأنها: . أي: هديه ومنهجه وما كان عليه هو وأصحابه من الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، بمعنى: الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها هو وأصحابه وخلفائه الراشدون من بعده ومن تبعهم من أئمة الدين، وهو تفسير للسنة بتمام معناها المتكامل، والكثير من علماء أهل السنة والجماعة المتأخرين يفسرون السنة التي دلت النصوص على الأمر بلزومها بأنها مخصوصة في الاعتقادات من حيث أن الابتداع المخالف فيها على خطر عظيم. وقد كان أئمتهم المتقدمون يقصدون منها علم الدين المنقول بعمومه عن أئمة الصحابة وعلمائهم، فإنهم هم الذين حملوا علم الدين والشريعة وتعلموه وبينوه للناس، فهو إمامهم ومعلمهم الأول وأولى الناس بإمته، وسنته طريقته في الدين ومنهجه وعلمه وهديه وبيانه للناس وحكمه بينهم فيما اختلط عليهم من الأمور، والصحابة لم يكونوا كلهم أصحاب فتيا، وإنما اختص منهم الذين تعلموا منه وكان منهم أئمة الدين وعلماء الشريعة، فإنهم أخذوا عنه العلم في الدين والأمور التي علمهم إياها وفهموها منه بالمجالسة والصحبة ومعايشة الوقائع، وكل هذا هو المقصود من لفظ السنة التي لا تقتصر على نقل النصوص، وعلمهم يشمل الذي تعلموه وما يضاف إلى ذلك من الأحكام التي فهموها أو بينوها أو استنبطوها أو اجتمعوا عليها، وقد كان أهل السنة في عصر السلف المتقدمين يفسرون السنة التي دلت نصوص الشرع على الأمر باتباعها بمعنى الفقه في الدين وهو علم الشريعة بعمومه المأخوذ عن أئمة الدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ويجعلون السنة بهذا المعنى في مقابل البدعة المخالفة لأصول الدين وقواعده من بدع الخوارج والقدرية والفرق المتفرعة منهم، ويسمون مقولات هذه الفرق أهواء مضلة، ويقصدون بذلك الذين قالوا في الدين بغير علم وفسروا الدين بأهوائهم وتكلموا فيما نهى الله ورسوله عن الخوض فيه ولم يأخذوا العلم من أئمة الدين حملة الشريعة. وتفسيرهم السنة بمعناها المتكامل بمعنى علم الشريعة بعمومه المأخوذ عن أئمة الصحابة ومن تبعهم بإحسان باعتبار أن أئمة الصحابة كانوا مجتمعين على الهدى، وسنتهم داخلة في السنة النبوية ضمنا، وكان علمهم بالسنة مشتملا على خصائص العلم بالشريعة من جميع الوجوه، فكانوا أعلم الناس باللغة العربية التي تفسر لهم نصوص الشرع، فإنهم لم يكونوا يسئلون عن تفسير الكثير من القرآن؛ لأنه نزل بلغتهم، فلم يكونوا بحاجة إلى من يفسر لهم معاني ألفاظ نصوص القرآن والحديث؛ لأنهم أصحاب اللغة أصلا، وأئمة الصحابة لم يكونوا بحاجة إلى علم قواعد تفسير القرآن والحديث وأصول التفسير ومناهج الاستدلال الفقهي وأصول الفقه وغير ذلك؛ لأن هذه الأمور كانت قريحة وملكة راسخة في أذهانهم، وأهل العلم الذين وضعوا علم التفسير وعلم الفقه وأصول الفقه وغيرها من علوم الشريعة إنما وضعوها نتيجة أخذ علم الصحابة، والمذاهب الفقهية إنما هي محصلة مذاهب فقهاء الصحابة، وأئمة الدين من بعدهم كلهم عالة عليهم في العلم المنقول عنهم. قال تعالى: . أي: أن تتأسوا به وتكونوا معه حيث كان، ولا تتخلفوا عنه. قال ابن جرير: . قال عمر بن عبد العزيز لما سئل عن القدر: . السنة في مقابل البدعة. قد تطلق السنة شرعا على ما يقابل البدعة، وقد جاء في نصوص الشرع الأمر باتباع السنة ولزومها في مقابل النهي عن الابتداع والتحذير من البدع، والسنة المتبعة في مقابل البدع المستحدثة والهدى في مقابل الضلال، وقد كان أئمة السنة من السلف المتقدمين يفسرون السنة بمعناها المتكامل، ويجعلونها في مقابل البدعة بمعناها الشرعي وهي: البدعة المستحدثة في الدين المعارضة للسنة والمضادة للشريعة التي تخالف أصول الدين وقواعدة وليس لها أصل في الشريعة وليست من الدين أصلا والموصوف صاحبها بالضلال عن الصراط المستقيم الموعود عليها بالعقوبة في الآخرة، وهي عند أهل السنة والجماعة شاملة لجميع صنوف البدع والأهواء المضلة التي استحدثتها الفرق التي ظهرت في العصور المتقدمة من تاريخ الإسلام والتي كان أولها بدع الخوارج والفرق المتفرعة منها كالقدرية وغيرها، ويستندون في هذا إلى النصوص الشرعية المنقولة في تفرق الأمة وصفات الخوارج ووقوع الفتن. أخرج الترمذي في سننه: . وأخرجه الحاكم: . وفي هذا الحديث دلالة على خصائص النبوة بما تضمن من جوامع الكلم، وفيه معجزة دالة على صدق النبوة في الإخبار بما سيكون من الابتداع في الدين المؤدي إلى الاختلاف والتنازع والتفرق، وإخبار الصحابة بأن من يعش منهم؛ فسيرى اختلافا كثيرا في الدين بظهور المحدثات المخالفة لأصول الدين وقواعده وليس لها أصل في الشريعة، وأئمة أهل السنة في عصر السلف المتقدمين يقصدون بهذه البدعة التي دلت على ذمها نصوص الشرع بأنها جميع ما استحدثته الفرق التي ظهرت في سالف العصور الإسلامية من الخوض في المتشابهات التي يحدث بسببها العداوة بين المسلمين والتفرق عن جماعة المسلمين والخروج على الحكام، والاستبداد بالرأي في معارضة النص، والاستئثار باتباع الهوى واختلاف الأهواء المضلة التي يكون الناس بسببها شيعا متفرقة لا ينتظم شملهم بالإسلام، وقد أشار إليها الحسن فقال: . وقد تضمن الحديث جملة من التعاليم الدينية منها: الوصية بتقوى الله، والسمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخروج عليهم، وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: . قال ابن رجب الحنبلي: فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله: كل بدعة ضلالة، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة. وما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع؛ فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه في التراويح: نعمت البدعة هذه، وروي عنه أنه قال: إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، ومن ذلك أذان الجمعة الأول زاده عثمان لحاجة الناس إليه وأقره علي واستمر عمل المسلمين عليه، وروي عن ابن عمر أنه قال: هو بدعة، ولعله أراد ما أراد أبوه في التراويح، انتهى ملخصا. ومعنى الحديث: فمن أدرك منكم زمن الاختلاف الكثير؛ فعليه بسنتي أي: فليلزم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فإضافة السنة إليهم لكونهم أعلم بها ولاستنباطهم منها واختيارهم إياها. وقد جاء في الحديث الأمر بمتابعة الطريقة التي كان عليها رسول الله هو والصحابة، واتباعها والأخذ بها قولا وعملا واعتقادا، ويدل على ذلك حديث: . وفي الحديث: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم». وفي الحديث: «من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا»، وفي رواية: «ستكون أمور تنكرونها»، وقال الشوكاني: . فإن ما عملوا فيه بالرأي هو من سنته، وقد حث على اتباعهم؛ تأكيدا لمن بعدهم لئلا يتوهم أحد أنهم مخالفون لهديه، وسنة الخلفاء الراشدين هي نفس السنة النبوية ولا تخرج عنها. قال ابن حجر العسقلاني: والمحدثات بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث، وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع: «بدعة» وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما، وكذا القول في المحدثة وفي الأمر المحدث الذي ورد في حديث عائشة: . وحديث العرباض في المعنى قريب من حديث عائشة المشار إليه وهو من جوامع الكلم. يدل على أن المحدث يسمى بدعة، والمراد بقوله: «كل بدعة ضلالة» ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام. وقال ابن حجر أيضا: وقسم بعض العلماء البدعة إلى الأحكام الخمسة وهو واضح، وثبت عن ابن مسعود أنه قال: . قال الشافعي: . وقال الشافعي أيضا: . فمما حدث تدوين الحديث ثم تفسير القرآن ثم تدوين المسائل الفقهية المولدة عن الرأي المحض ثم تدوين ما يتعلق بأعمال القلوب. ومما حدث الخوض في المتشابهات والأغاليط في مسائل العقيدة، وقد اشتد إنكار السلف على ذلك، قال ابن حجر العسقلاني: ، وقال أيضا: . وقسم العز بن عبد السلام البدعة خمسة أقسام: واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة ومكروهة. والبدعة التي توصف بكونها ضلالة عند علماء أهل السنة والجماعة هي التي تكون في الدين باستحداث ما ليس منه مثل: ابتداع الخوارج القول بتكفير أهل المعاصي، ومثل: ابتداع المجسمة فتنة التجسيم وغيرها من البدع الموعود مبتدعها بالنار وإن لم يخرج ببدعته عن الملة إذ المقصود العقوبة على البدعة. أما ما كان له أصل من الدين أو ما هو من السنة الحسنة؛ فلا يكون من البدع المنهي عنها فقد ورد في الحديث: . وفي رواية أخرى لمسلم بلفظ: و«من دعا إلى الهدى..» و«من دعا إلى الضلالة..». قال النووي: هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة، وتحريم سن الأمور السيئة. وقال النووي: . اتباع سنة الخلفاء الراشدين. الخلفاء الراشدون بالمعنى العام هم أئمة المسلمين في الدين أهل الهدى والرشاد، أو من كان منهم خليفة للمسلمين وهم عند أهل السنة والجماعة الخلفاء الأربعة اتفاقا، ونص كثير من الأئمة على أن عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، لأنهم جمعوا بين إمامة الدين والدنيا، وكانت لهم ولاية قائمة على منهاج النبوة، وأهل السنة والجماعة متفقون وجوب اتباع سنة الخلفاء، وأنها من السنة التي أمر الشرع باتباعها وأنهم كانوا مجتمعين على الهدى، ويستدلون على ذلك بأدلة منها حديث: ومعناه إلزموا طريقتي أي: التي كان عليها هو وأصحابه من العلم والعمل والاعتقاد والهدى، والزموا طريقة الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالهدى والرشاد، وهم المقتفون لأثره المتبعون لسنتة المهتدون بهديه، وذلك أنه لما كان رسولا للعالمين وخاتما للأنبياء والمرسلين كان الأئمة في الدين هم المستخلفون من بعده الحاملون لشريعته المبلغون عنه لرسالته الداعون بدعوته الهادون بهديه الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر الوارثون لعلم النبوة من بعده في أخذ العلم عنهم، وفي الحديث: . والمقصود بـالخلفاء في هذا الحديث الأئمة المجتهدون الفقهاء في الدين، الذين اختصوا بعلم الكتاب والسنة رواية ودراية، وهم الخلفاء الأربعة الأوائل أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، ويتضمن الأمر باتباع سنة الخلفاء اتباع أئمة الفقهاء في الدين علماء الشريعة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فإنهم ورثة علم النبوة. في الحديث: الأمر بالسمع والطاعة لولاة الأمور وإن كان المولى عليهم عبد حبشي مبالغة في وجوب لزوم الطاعة، وعدم جواز الخروج على ولاة الأمر ما لم يأمروكم بكفر بواح عندكم فيه من الله برهان. وقوله: بمنزلة التعليل للوصية بذلك أي: والسمع والطاعة مما يدفع الخلاف الشديد فهو خير وعند ذلك: قيل هم الخلفاء الأربعة، وقيل: هم أهل العلم بالكتاب والسنة ومما يدل عليه حديث: . رواه البيهقي. قال السندي: قوله: قيل: هم الأربعة رضي الله عنهم وقيل: بل هم ومن سار سيرتهم من أئمة الإسلام المجتهدين في الأحكام فإنهم خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام في إعلاء الحق وإحياء الدين وإرشاد الخلق إلى الصراط المستقيم. وقوله: : بالذال المعجمة وهي الأضراس قيل: أراد به الجد في لزوم السنة كفعل من أمسك الشيء بين أضراسه وعض عليه منعا من أن ينتزع أو الصبر على ما يصيب من التعب في ذات الله كما يفعل المتألم بالوجع يصيبه قوله: قيل: أريد بها ما ليس له أصل في الدين، قال السندي: . والراشدون جمع راشد وهو الذي عرف الحق وعمل به، وإنما وصف الخلفاء بالراشدين لأنهم عرفوا الحق وقضوا به، والرشاد ضد الغواية، والغاوي من عرف الحق وعمل بخلافه. وفي رواية: يعني: أن الله يهديهم للحق ولا يضلهم عنه فالأقسام ثلاثة: راشد وغاو وضال فالراشد عرف الحق واتبعه والغاوي: عرفه ولم يتبعه، والضال: لم يعرفه بالكلية، فكل راشد فهو مهتد، وكل مهتد هداية تامة فهو راشد، لأن الهداية إنما تتم بمعرفة الحق والعمل به أيضا. قال السندي: قوله: أي: الملة والحجة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلا فصار حال إيراد الشبه عليها كحال كشف الشبه عنها ودفعها وإليه الإشارة بقوله: قوله: أي: شأن المؤمن ترك التكبر والتزام التواضع فيكون كالجمل الأنف ككنف أي بلا مد وكصاحب أي: بالمد والأول أصح وأفصح أي: الذي جعل الزمام في أنفه فيجره من يشاء من صغير وكبير إلى حيث يشاء حيثما قيد أي سيق والله أعلم. وفيه إخبار صحابته بما سيكون من بعده من الاختلاف الكثير أي: بعد انتشار الإسلام واندماج ثقافات الشعوب المختلفة ووقوع ظواهر جديدة وإشكالات، فبين لهم أن من أدرك زمن هذا الاختلاف فعليه بالرجوع إلى ما علموه من سنته وسنة خلفائه من بعده فالسنة المأمور باتباعها عند أئمة السنة من السلف المتقدمين هي علم الدين بعمومة عن أئمة الصحابة وعلمائهم، داخلة في عموم معنى السنة، وإنما خصهم بالسنة المضافة إليهم لأن لهم سنة متبعة، ويجب اتباعها والرجوع إليها عند الاختلاف، وسنن الخلفاء التي اجتمع الناس عليها مثل جمع القرآن، وجمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح ووضع الدواوين وغير ذلك، روى أبو نعيم من حديث عرزب الكندي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ". وقال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: . وقال خلف بن خليفة: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وهو خليفة فقال في خطبته: . وسنة الخلفاء التي وقع الاجتماع عليها تشمل الأحكام الصادرة عنهم في مستجدات ليس فيها نص شرعي يدل عليها بخصوصها، كقضاء عمر الذي جمع عليه الصحابة في العول وفي مسألتي الغراوين ومثل ما جمع عليه الناس في الطلاق الثلاث، وفي تحريم متعة النساء، وغير ذلك. وكل ما قضى به أئمة الصحابة أو خلفائهم وحصل الاجتماع عليه فهو عند أهل السنة والجماعة حجة معتبرة وإجماعهم إجماع، أما ما لم يجتمعوا عليه من فروع الأحكام فلا تكون حجة بل هي مذاهب فقهية. قال وكيع: . عن ابن مسعود أنه كان يحلف بالله: إن الصراط المستقيم هو الذي ثبت عليه عمر حتى دخل الجنة. وكان علي يتبع أحكامه وقضاياه، ويقول: . وروى أشعث عن الشعبي قال: . وقال مجاهد: . وقال أيوب عن الشعبي: . وسئل عكرمة عن أم الولد فقال: تعتق بموت سيدها، فقيل له: بأي شيء تقول؟ قال: بالقرآن قال: بأي القرآن؟ قال: (النساء: 59)، وعمر من أولي الأمر. مفهوم لفظ الجماعة. تعريف. الجَماعة في اللغة المجتمعون على الشيء، وجمع الشيء عن تفرقة، وأصل الكلمة لإفادة معنى الاجتماع في مقابل الافتراق، وقد جاء في نصوص القرآن والحديث استعمال كلمة الجَماعة ضد الفُرقة والاجتماع ضد الافتراق، فلا تقتصر كلمة الجماعة على فرقة في مقابل أخرى، فالمسلمون كلهم كالجسد الواحد، ربهم واحد ونبيهم واحد ودينهم واحد، والمسلمون جميعا أمة واحدة وجماعة واحدة تجمعهم كلمة الإسلام، واجتماع أهل الإسلام جماعة واحدة وعدم تفرقهم هو المطلوب في الشرع الإسلامي، وقد أمر الله جميع المسلمين أن يكونوا جماعة واحدة مجتمعين غير متفرقين، فقال تعالى: ، قال ابن عباس: معناه تمسكوا بدين الله، وقال ابن مسعود: هو الجماعة، وقال: . وقال مجاهد وعطاء: بعهد الله، وقال قتادة والسدي: هو القرآن، وقال مقاتل بن حيان: بحبل الله: أي بأمر الله وطاعته. وقال العيني: الكتاب والسنة. قال البغوي: أي: لا تتفرقوا كما تفرق اليهود والنصارى. وقال تعالى: . فالتنازع يؤدي إلى الخذلان وذهاب القوة، والفُرقة المنهي عنها في الشرع الإسلامي هي التي تكون مضادة للجماعة بمخالفة جماعة أهل الإسلام فيما اجتمعوا عليه التي تُصيِّر الأمة شيعا وأحزابا متفرقين وجماعات متعددة، وهو غير الخلاف المعتبر في مسائل الفروع، فلا يدخل في معنى التفرق في الدين، فاجتهاد الخلفاء الراشدين وأئمة الصحابة ومن تبعهم من أهل الاجتهاد المعتبر لا يدخل في هذا بالإجماع، فهو لا يؤدي إلى التنازع وتفريق الدين بل هو الذي رحمة ولا يفسد للودِّ قضية. الجماعة من حيث هي في الشريعة الإسلامية جماعة المسلمين عموما، وجماعة المسلمين بوجه عام يشمل عامة الناس وخاصتهم، إلا أن الجماعة التي نهى الشرع عن مفارقتها لا تتمثل بكثرة العدد وإنما تكون في الخاصة وهي جماعة الأئمة والأمراء، فالأئمة أي: في الدين، والأمراء هم ولاة الأمور، والفرقة المنهي عنها تكون بمعنى مفارقة جماعة الأئمة والأمراء، وتكون كذلك بمعنى الافتراق في الآراء والأديان، وهذا التفصيل ذكر أبو سليمان الخطابي في كتاب: «العزلة» في القرن الرابع الهجري فقال: ، وفي كلامه بيان المقصود من هذا التقسيم وهو أن الجماعة المنهي عن مفارقتها إنما هي جماعة الأئمة والأمراء، أما جماعة عامة الناس فليست هي المقصودة من هذا النهي، كما أن فرقة الأبدان والأشخاص ليست هي المقصودة من هذا النهي أيضا، وإنما المقصود فرقة الآراء والأديان. وجاء في كلامه: أن الافتراق المنهي عنه في الشرع هو الافتراق في الآراء والأديان، وقد بين ذلك بقوله: . وقال: . تفسير معنى الجماعة. الجماعة من حيث هي بالمعنى الشرعي تشير عموما إلى جماعة المسلمين، لكن الجماعة التي يحرم في الشرع مفارقتها هي جماعة الأئمة والأمراء، والجماعة من حيث أنها تفيد معنى الاجتماع تدل على المجتمعين على أمر خالفهم فيه غيرهم، وقد جاء عن أئمة أهل السنة والجماعة تفسيرات لمعنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المأثورة في أقول منقولة عن أئمتهم من متقدمي السلف، وهي تفسيرات لتحديد الجماعة لاعتبارات مخصوصة في الجماعة وصفات المجتمعين وفيما اجتمعوا عليه، وقد جمع ابن جرير الطبري (ت 318 هـ) أقوال الأئمة ونقلها عنه العلماء من بعده، ويرجع الفرق بين هذه الأقوال إلى اختلاف صفات الاجتماع بحسب ما يراد منه في معنى المخالفة، وهذه الأقوال نقلها عنه الشاطبي في كتاب: الاعتصام وذكرها في خمسة أقول باختصار هي: . القول الأول: أن الجماعة هي السواد الأعظم من أهل الإسلام، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق، ومن خالفهم مات ميتة جاهلية، سواء خالفهم في شيء من الشريعة أو في إمامهم وسلطانهم، فهو مخالف للحق، وهم الذين إذا اجتمعوا على الرضى بتقديم أمير كان المفارق لهم ميتا ميتة جاهلية، وهم معظم الناس وكافتهم من أهل العلم والدين وغيرهم، المجتمعون على ما كان عليه أهل الهدي الأول، فيدخل في الجماعة مجتهدو الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها، ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق، وممن قال بهذا أبو مسعود الأنصاري وابن مسعود، وهذه هي الجماعة التي وصفها أبو مسعود الأنصاري فيما روى الطبري أنه لما قتل الخليفة عثمان بن عفان سئل أبو مسعود الأنصاري عن الفتنة فأوصى بالجماعة وقال: إن الأمة لا تجتمع على ضلال، ووصف الفرقة بأنها هي الضلال، فكل من خرج عن جماعتهم فهم الذين شذوا، ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة، لم يدخلوا في سوادهم بحال، سواء كان المخالف لهم في أمر من الدين أو خالفهم في أميرهم. أحدها: أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق، ومن خالفهم مات ميتة جاهلية، سواء خالفهم في شيء من الشريعة أو في إمامهم وسلطانهم، فهو مخالف للحق، وممن قال بهذا أبو مسعود الأنصاري وابن مسعود، فروى أنه لما قتل عثمان سئل أبو مسعود الأنصاري عن الفتنة فقال: ، وقال: ، وقال ابن مسعود: ، ثم قبض يده وقال: ، وعن الحسين قيل له: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: . فعلى هذا القول يدخل في الجماعة مجتهدو الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها، ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم، فكل من خرج عن جماعتهم فهم الذين شذوا وهم نهبة الشيطان ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة، لم يدخلوا في سوادهم بحال. الثاني: أن الجماعة هي جماعة أئمة العلماء المجتهدين، فمن خرج مما عليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية، وممن قال بهذا عبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وجماعة من السلف وهو رأي الأصوليين، فالأئمة المجتهدون مرجع الأمة. الثالث: أن الجماعة هي الصحابة على الخصوص، لأن جماعتهم هي الأصل فإنهم مجتمعون على الهدى، ولا يتحقق الاجتماع على على الهدى إلا باتباعهم فيما اجتمعوا عليه من الحق، وممن قال بهذا القول عمر بن عبد العزيز. والثالث: أن الجماعة هي الصحابة على الخصوص، فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وأرسوا أوتاده، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلا، وقد يمكن فيمن سواهم ذلك، وممن قال بهذا القول عمر بن عبد العزيز، فروى ابن وهب عن مالك قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول: ، فقال مالك: فأعجبني عزم عمر على ذلك. وعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله عليه الصلاة والسلام: فكأنه راجع إلى ما قالوه وما سنوه، وما اجتهدوا فيه حجة على الإطلاق، وبشهادة رسول الله لهم بذلك خصوصا في قوله: وأشباهه، أو لأنهم المتقلدون لكلام النبوة، المهتدون للشريعة، الذين فهموا أمر دين الله بالتلقي من نبيه مشافهة، على علم وبصيرة بمواطن التشريع وقرائن الأحوال، بخلاف غيرهم فإذاً كل ما سنوه فهو سنة من غير نظير فيه، بخلاف غيرهم، فإن فيه لأهل الاجتهاد مجالا للنظر ردا وقبولا، فأهل البدع إذاً غير داخلين في الجماعة قطعا على هذا القول. والرابع: أن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام، إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم، وهم الذين ضمن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن لا يجمعهم على ضلالة، فإن وقع بينهم اختلاف فواجب تعرف الصواب فيما اختلفوا فيه، قال الشافعي: . وكأن هذا القول يرجع إلى الثاني وهو يقتضي أيضا ما يقتضيه، أو يرجع إلى القول الأول وهو الأظهر. والخامس: ما اختاره الطبري الإمام من أن الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، فأمر عليه الصلاة والسلام بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم، لأن فراقهم لا يعدو إحدى حالتين، إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم والطعن عليه في سيرته المرضية لغير موجب، بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين، كالحرورية التي أمرت الأمة بقتالها وسماها النبي مارقة من الدين، وإما لطلب إمارة من انعقاد البيعة لأمير الجماعة، فإنه نكث عهد ونقض عهد بعد وجوبه. وقد قال : . قال الطبري: فهذا معنى الأمر بلزوم الجماعة، قال: وأما الجماعة التي إذا اجتمعت على الرضى بتقديم أمير كان المفارق لها ميتا ميتة جاهلية، فهي الجماعة التي وصفها أبو مسعود الأنصاري، وهم معظم الناس وكافتهم من أهل العلم والدين وغيرهم، وهم السواد الأعظم. قال: وقد بين ذلك عمر بن الخطاب ، فروي عن عمر بن ميمون الأودي قال: قال عمر حين طعن لصهيب: «صل بالناس ثلاثا وليدخل علي عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، وليدخل ابن عمر في جانب البيت وليس له من الأمر شيء، فقم يا صهيب على رؤوسهم بالسيف فإن بايع خمسة ونكص واحد فاجلد رأسه بالسيف، وإن بايع أربعة ونكص رجلان فاجلد رأسيهما حتى يستوثقوا على رجل»، قال: فالجماعة التي أمر رسول الله بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقا لها نظير الجماعة التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه، وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى كثرة العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم، قال: وأما الخبر الذي ذكر فيه أن لا تجتمع الأمة على ضلالة فمعناه: أن لا يجمعهم على إضلال الحق فيما نابهم من أمر دينهم حتى يضل جميعهم عن العلم ويخطئوه، وذلك لا يكون في الأمة. هذا تمام كلامه وهو منقول بالمعنى وتحر في أكثر اللفظ. وحاصله: أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكور في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم. الأئمة المجتهدون. كان الصحابة يختارون الخليفة على أساس أن يكون إماما مجتهدا من أفقههم في الدين وأعلمهم بالشريعة يأتم به الناس وتجتمع عليه الأمة، وكان خلفاؤهم يختارون الولاة على أساس أن يكونوا من أئمة الدين وعلماء الشريعة، وذلك أن معنى الجماعة عندهم لا يتحقق إلا باجتماع الأئمة المجتهدين من أهل العلم، وجاء عن أئمة أهل السنة من متقدمي السلف تفسيرات لمعنى الجماعة التي دلت الأحاديث عليها، وقد ذكر ابن جرير الطبري أقوالهم في تفسير الجماعة، ونقلها عنه علماء أهل السنة والجماعة ومنهم الشاطبي فقال: . وقد اتفق الجميع على اعتبار أهل العلم والاجتهاد، وأن الاعتبار في الجماعة المفسرة بالسواد الأعظم إنما هو بالسواد الأعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم فمن شذ عنهم فمات فميتته جاهلية، وأما جماعة العوام فإنهم تبع لأئمتهم؛ لأنهم غير عارفين بالشريعة فلا بد من رجوعهم في دينهم إلى العلماء، فإنهم لو اجتمعوا على مخالفة العلماء لكانوا هم السواد الأعظم لقلة العلماء وكثرة الجهال، لكن العبرة ليست بالكثرة، فلا يكون اجتماع العوام حجة ولا مرجعا في الدين وإن كانوا هم الأكثر عددا، فإنهم قد يجتمعون على ضلال، فلا يقول أحد: إن اتباع جماعة العوام هو المطلوب وإن العلماء هم المفارقون للجماعة والمذمومون في الحديث، بل الأمر بالعكس وأن العلماء هم السواد الأعظم وإن قلوا والعوام هو المفارقون للجماعة إن خالفوا فإن وافقوا فهو الواجب عليهم، فلا يمكن أن يقال أن العوام هم الجماعة المأمور باتباعها، وإن خلا الزمان عن مجتهد فلا يمكن اتباع العوام لأمثالهم، بل يتنزل النقل عن المجتهدين منزلة وجود المجتهدين فالذي يلزم العوام مع وجود المجتهدين هو الذي يلزم أهل الزمان المفروض الخالي عن المجتهد، فالأئمة المجتهدون في العصور المتقدمة فيما اجتمعوا عليه حجة على من بعدهم. وقد سئل ابن المبارك عن الجماعة الذين يقتدى بهم أجاب بأن قال: أبو بكر وعمر.. قال: فلم يزل يحسب حتى انتهى إلى محمد بن ثابت والحسين ابن واقد قيل: فهؤلاء ماتوا، فمن الأحياء؟ قال: أبو حمزة السكري، وهو محمد بن ميمون المروزي. قال الشاطبي: فاتباع نظر من لا نظر له واجتهاد من لا اجتهاد له محض ضلالة ورمي في عماية وهو مقتضى الحديث الصحيح: الحديث. روى أبو نعيم عن محمد بن القاسم الطوسي قال: سمعت إسحاق بن راهوية وذكر في حديث رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقال رجل يا أبا يعقوب من السواد الأعظم؟ فقال محمد بن أسلم وأصحابه ومن تبعهم ثم قال: سأل رجل ابن المبارك: من السواد الأعظم؟ قال: أبو حمزة السكري ثم قال إسحاق: في ذلك الزمان (يعني أبا حمزة) وفي زماننا محمد بن أسلم ومن تبعه ثم قال إسحاق: لو سألت الجهال عن السواد الأعظم لقالوا: جماعة الناس ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة. وقد جاء عن البخاري وغيره تفسير الجماعة بأنها: جماعة أهل العلم، وهم الأئمة المجتهدون وسائر علماء الشريعة التابعون لهم بإحسان، وقال بدر الدين العيني في بيان المراد بـ«الجماعة» في المذكورة في الحديث: . ثبت في الحديث الصحيح إخبار الصحابة بأن من يعش منهم فسيدرك زمنا يكون فيه الاختلاف الكثير وأمورا ينكرونها، فأوصاهم بأن من أدرك شيئا من ذلك فعليه بالهدي الأول أي طريقته التي كان عليها هو وأصحابه وطريقة الخلفاء الراشدين من بعده، وهذا هو الاجتماع على الحق والهدى في أمور الدين الذي كان عليه أئمة الصحابة ومن تبعهم بإحسان، وهي مبنية على الاتفاق في أصول الدين، وأما الاختلاف في فروع الأحكام فقد حصل في زمن الصحابة ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين في حوادث الأمور التي ليس في الشرع نص يدل عليها بخصوصها، وفق شروط ذكرها العلماء في علم أصول الفقه، وقد كان هذا الاجتهاد المخصوص بالأئمة المجتهدين في غالب الأحيان ينتهي بالإجماع، وإجماع الأئمة المجتهدين من الصحابة فمن بعدهم حجة على أهل ذلك العصر فمن بعدهم، وقد انتقلت مذاهب فقهاء الصحابة إلى فقهاء التابعين فمن بعدهم من أئمة المذاهب الفقهية، واشتهر منها عند أهل السنة والجماعة مذاهب فقهاء أهل الرأي وفقهاء أهل الحديث، فأخذوا مذاهب الصحابة فمن تبعهم من الأئمة واجتهدوا في المسائل التي بقيت محل اختلاف فانتهوا في كثير منها إلى الإجماع، وهذه المذاهب نقلها أئمتهم واجتهد أصحاب كل مذهب في المسائل التي لم يرد فيها نص عن إمام مذهبه ووقع الاختلاف في فروع من كل مذهب، ثم جاء أهل الترجيح من أصحاب كل مذهب فرجحوا قولا واحدا من الأقوال التي وقع فيها الخلاف، والمذاهب الفقهية المعتبرة عند أهل السنة والجماعة التي استقر عليها العمل عندهم في عصر المتأخرين هي المذاهب الأربعة، ويكون العمل بمذهب واحد منها في التعليم والإفتاء والقضاء عند علماء كل مذهب بما ترجح في مذهبه، وقد ذكر ابن خلدون أنه وقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة، وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرحوا بالعجز والإعواز. وعمل كل مقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية، لا مجرد النقل من الكتب. وقال ابن خلدون: . لزوم جماعة المسلمين. لزوم جماعة المسلمين جماعة المسلمين مطلوب في سائر الأحوال، إلا أنه اختص على وجه التأكيد في حال الافتراق، ولزوم الجماعة يكون فيه معنى الاتباع والاقتداء بالأئمة في الدين والسمع والطاعة لولاة الأمر، وقد جاء في الحديث الأمر بلزوم جماعة المسلمين فيما اجتمعوا عليه من الحق عموما، ورجح ابن جرير الطبري أن المراد: لزوم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، قال: ، قال ابن حجر العسقلاني: قال الطبري: اختلف في هذا الأمر وفي الجماعة، فقال قوم: هو للوجوب والجماعة السواد الأعظم، ثم ساق عن محمد بن سيرين عن أبي مسعود أنه وصى من سأله لما قتل عثمان: . وقال قوم: المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم، وقال قوم: المراد بهم أهل العلم لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر الدين. قال الطبري: والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة، قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها، ويؤيده رواية عبد الرحمن بن قرط المتقدم ذكرها. وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وهو ما يدل عليه: «عن حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم وفيه دخن»، قلت وما دخنه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر» قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر قال: «نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها» قلت يا رسول الله صفهم لنا قال: «هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك قال «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»». والخير سبيل هدى الإسلام وهو الطريقة التي كان عليها أئمة الصحابة والخلفاء الراشدون ومن تبعهم بإحسان في الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، والمخالفون لهذه الطريقة هم الذين وصفهم بأنهم يهدون بغير هدي النبوة، وجاء عن أهل السنة والجماعة تفسير الدعاة على أبواب جهنم بأنهم الذين خرجوا في طلب الملك كالخوارج وغيرهم فإنهم ضلوا عن سبيل الهدى، فأوصاه بأن لا يتبع تلك الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين، وأن يلزم الجماعة وإمامهم وهو الخليفة، فلزوم الجماعة راجع إلى الاجتماع على خليفة، فإن كان اجتماعهم موافقا لما اجتمع عليه أئمة الصحابة والخلفاء الراشدون فلزوم الجماعة معناه اتباعهم والاقتداء بهم والسمع والطاعة لأميرهم، وإن كان الخليفة عاصيا أو فاسقا أو من أصحاب الفرق المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة كما هو الحال في تغلب المعتزلة في زمن المأمون وأخويه من بعده فلا يتبعهم فيما استحدثوه من الأهواء، ورغم ذلك فإن أهل السنة حينها لم يخرجوا على الخليفة، والمراد بالدعاة على أبواب جهنم من قام في طلب الملك من الخوارج وغيرهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله: ، يعني ولو جار، ويوضح ذلك رواية أبي الأسود: . ومعنى: أي: ولي الأمر، زاد في رواية أبي الأسود: ، وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني: . وقوله: هو كناية عن لزوم جماعة المسلمين وطاعة سلاطينهم ولو عصوا، وفي رواية عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة عند ابن ماجه: أي: لا تتبع أحدا من أهل الأهواء الخارجين عن جماعة المسلمين وإمامهم. والجذل بكسر الجيم وسكون المعجمة بعدها لام عود ينصب لتحتك به الإبل. قال البيضاوي: المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان، وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة الألم، أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر: . ويؤيد الأول قوله في الحديث الآخر: . وقال ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك الخروج على أئمة الجور، لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم: ولم يقل فيهم: تعرف وتنكر كما قال في الأولين، وهم لا يكونون كذلك إلا وهم على غير حق، وأمر مع ذلك بلزوم الجماعة. تدل النصوص الشرعية على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر؛ لأن فيه اجتماع الكلمة وفي الحديث: . وفي رواية: «فليصبر عليه». وقوله: فإنه من خرج من السلطان أي: من طاعة السلطان وفي الرواية الثانية «من فارق الجماعة»، وقوله «شبرا»: كناية عن معصية السلطان ومحاربته. قال ابن أبي جمرة: المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكني عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق. وفي الرواية الأخرى: «فمات إلا مات ميتة جاهلية» وفي رواية لمسلم: «فميتته ميتة جاهلية»، وعنده في حديث ابن عمر رفعه: «من خلع يدا من طاعة لقي الله ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» أي: حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع؛ لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا، والمقصود الزجر والتنفير وظاهره غير مراد، قال ابن بطال: في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء. والأدلة على لزوم الجماعة كثيرة ومنها: ما أخرج الترمذي: . ورواة الشافعي والبيهقي في المدخل. وعن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء: "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال ابن أبي مليكة اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن. اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على وجوب طاعة ولاة الأمر لما فيه من اجتماع كلمة المسلمين، فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم؛ لقوله تعالى: وقال النووي: . روى مسلم في صحيحه: "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: . قال النووي: . وفي رواية لمسلم: "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ". قال النووي: . قال: وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل، وحكي عن المعتزلة أيضا فغلط من قائله مخالف للإجماع. وقال أيضا: . مسألة الإمامة. تعد مسألة الإمامة من أهم المسائل التي استخدمتها الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين، وكان أولها فتنة الخوارج الذين انشقوا عن جماعة المسلمين وأعلنوا خروجهم عن علي بن أبي طالب، قائلين لا حكم إلا لله، وقد رد عليهم علي بن أبي طالب بقوله: «كلمة حق يراد من ورائها باطل» وهم أول من ابتدع الخروج على الحكام، ثم ظهرت فرق التشيع الذين اعتقدوا أن الإمامة أصل من أصول الدين، وأنها بالوراثة على اختلافهم في تحديد مستحقها. واعتبر أهل السنة والجماعة أن الإمامة مسألة مصلحية إجماعية وليست من أصول العقيدة. والإمام هو الذي يقتدي به الناس في أقواله وأفعاله، وأئمة المسلمين علماء الدين وهم ورثة الأنبياء في حمل العلم وتأدية المهام الدينية تجاه عامة الناس، وتختلف هذه المهام باختلاف المراتب العلمية والصلاحيات المسندة إليهم، وأئمة المسلمين هم: الخلفاء فمن دونهم من أهل الولايات وعلماء الدين، والأصل في الإمامة أنها إمامة الدين في الأئمة المجتهدين على اختلاف مراتب الاجتهاد، وعلماء الدين تبع لهم، باعتبار أن الأئمة في الدين حملة الشرع هم ورثة الأنبياء في نقل الدين وبيانه للناس، وقد قيل لأبي بكر الصديق: يا خليفة الله فقال: "لا بل أنا خليفة رسول الله "، وقد كان اختيار الخلفاء في الابتداء على أساس أن يكونوا أئمة في الدين، والخلفاء الراشدون كانوا كذلك، وكان كل واحد منهم إماما مجتهدا، والصحابة لا يختارون لمنصب الخلافة إلا إماما مجتهدا من أفضلهم وأعلمهم في الدين، حتى يتمكن من الحكم بشرع الله بما لديه من علم الشريعة، ويكون مرجعا للحكم في الناس فيما أشكل عليهم من مستجدات الأمور، والكثير من أئمة الصحابة والتابعين ومن بعدهم وكالأئمة الأربعة وغيرهم من أعلام الدين كانت مهمتهم علمية، ولم يكونوا يسعون بعلمهم للحصول على السلطة، وكان الصحابة يختارون للخلافة أفضلهم وأعلمهم في الدين ويلتزمون طاعته، ولم يتخذوا من علمهم سلما للوصول إلى مناصب سياسة ومعارضة الحكام ومنازعتهم. الخلافة. والخلافة أو الإمامة العظمى هي ولاية عامة، والإمام الأعظم القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، ومن ثم اشترط فيه ما شرط في القاضي وزيادة. ويسمى الخليفة إماما؛ لأن اختيار الخلفاء الراشدين قام على أساس أن يكون الخليفة إماما مجتهدا في أعلى رتبة ممكنة من العلم في الدين يقتدي به الناس في العلم والدين ينقادون لحكمه ويصلون خلفه وتجب عليهم طاعته. قال الماوردي: «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا». وقال سعد الدين التفتازاني في المقاصد: . وقال إمام الحرمين: «الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا. مهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين». فيتولى أمور الرعية ويتفقد أحوالهم ويراعي مصالحهم ويقيم أحكام الدين وشعائره، ويلجأ إليه المظلوم فينصفه وينصره، ويأمن به الخائف، ويقطع تمادي الظالمين وقاطعي الطريق والمفسدين، وفي الحديث: . قال النووي: «قوله : «الإمام جنة» أي: كالستر؛ لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس ويخافون سطوته، ومعنى: «يقاتل من ورائه» أي: يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقا، والتاء في «يتقى» مبدلة من الواو لأن أصلها من الوقاية». قال ابن خلدون: . قال: وإذا تقرر أن هذا النصب واجب بإجماع فهو من فروض الكفاية وراجع إلى اختيار أهل العقد والحل، فيتعين عليهم نصبه، ويجب على الخلق جميعاً طاعته، لقوله تعالى: . ذكر سعد الدين التفتازاني أدلة الجمهور على وجوب تنصيب خليفة في متن المقاصد بقوله: . انتهى باختصار من كلام السعد. ووجوب نصب الإمام ثابت بالأحاديث الصحيحة الواردة فِي التزام جماعة المسلمين وإمامهم، مثل حديث: «من مات وليس فِي عُنُقه بيعَة مات ميتَة جاهلية». و. والإجماع على تنصيب الخليفة حجة كافية، وعليه استقر حال الأمة على مدى التاريخ الإسلامي، وكانت الخلافة العثمانية آخر دولة للخلافة الإسلامية. أحكام الخلافة. أجمع أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا، وجمهور الطوائف الأخرى على أن نصب الإمام أي: توليته على الأمة واجب على المسلمين شرعا لا عقلا فقط؛ لأن الحاكم مأمور بوظائف دينية كما أن الرعية مأمورون ديانة بطاعة ولي الأمر. واتفق جمهور أهل السنة والجماعة على أن حكم تنصيب الخليفة أو الحاكم واجب شرعي؛ لحماية مصالح الناس، وأقوال الخوارج ومن وافقهم بخلاف ذلك لا يقوى على معارضة الإجماع. وقد تظافرت الأدلة الشرعية على وجوب طاعه ولاة الأمر بنصوص الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: ، وفي الحديث: «عليكم بالسمع والطاعة» أي: لولاة الأمور، قال أبو الحسن الأشعري: «وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل وعلى أن يغزوا معهم العدو ويحج معهم البيت وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع والأعياد». طرق انعقاد الإمامة وتنصيب ولاة الأمر. تنعقد الإمامة بطرق أحدها: بطريق البيعة أي: بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم حالة البيعة بلا كلفة عرفا، وأما بيعة غير أهل الحل والعقد من العوام فلا عبرة بها، وثانيها: باستخلاف الإمام واحدا بعده، أو باستخلاف عدد يختار أهل الحل والعقد واحدا منهم، قال النووي: «وتنعقد الإمامة بالبيعة، والأصح بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم، وباستخلاف الإمام، فلو جعل الأمر شورى بين جمع فكاستخلاف، فيرتضون أحدهم وباستيلاء جامع الشروط وكذا فاسق وجاهل في الأصح». شروط الإمام. ذكر علماء أهل السنة والجماعة شروطا متعددة فيمن يتولى منصب الخلافة، ومنها ما هو متفق عليه ومنها مختلف فيه، وهذه الشروط في الابتداء، أي: في ابتداء تنصيب الخليفة، أما في الدوام ففيه تفصيل، قال النووي: . فشرط الإمام كونه مسلما ليراعي مصلحة الإسلام وأهله، وهذا باتفاق جمهور أهل السنة والجماعة، أما من كان من غير المسلمين كاليهودي أو النصراني أو غيره فلا ولاية له على المسلمين، وكونه مكلفا؛ لأن غيره مولى عليه فلا يلي أمر غيره، وأن يكون حرا؛ لأن من فيه رق لا يهاب، وأن يكون ذكرا فلا ولاية للمرأة بالإجماع؛ لضعفها وعدم مخالطتها للرجال، وفي الحديث: ، وأن يكون قرشيا؛ وفي الحديث: ، ولا يشترط كونه هاشميا ولا علويا؛ لأن الخلفاء الثلاثة لم يكونوا كذلك وهم قرشيون، وقد اتفق الصحابة على خلافتهم. وأن يكون مجتهدا كالقاضي وأولى بل حكى فيه الإجماع، وقد كان الصحابة لا يختارون للخلافة إلا إماما مجتهدا من أعلمهم في الدين وأفضلهم، فإن لم يوجد مجتهدون أو استخلف واستتم له الأمر ولم يكن مجتهدا كما هو الحال في البعض بعد الخلفاء الراشدين؛ وجبت طاعته حيث يفوض للعلماء أمور الدين فيما يفتقر للاجتهاد، وأن يكون شجاعا ليغزو بنفسه ويعالج الجيوش ويقوى على فتح البلاد ويحمي البيضة، ويعتبر سلامته من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض كما دخل في الشجاعة وأن يكون ذا رأي ليسوس به الرعية ويدبر مصالحهم الدينية والدنيوية قال الهروي: وأدناه أن يعرف أقدار الناس وأن يكون ذا سمع وإن ثقل وذا بصر وإن ضعف بحيث لم يمنع التمييز بين الأشخاص أو كان أعور أو أعشى، وأن يكون ناطقا يفهم نطقه، وإن فقد الذوق والشم وذلك ليتأتى منه فصل الأمور، وأن يكون عدلا، فلو اضطر لولاية فاسق جاز، ولذا قال ابن عبد السلام: لو تعذرت العدالة في الأئمة قدمنا أقلهم فسقا، قال الأذرعي وهو متعين؛ إذ لا سبيل لجعل الناس فوضى، فإذا تعذرت العدالة في أهل قطر قدم أقلهم فسقا. قال ابن خلدون: وأما شروط هذا المنصب فهي أربعة: العلم والعدالة والكفاية وسلامة الحواس والأعضاء، مما يؤثر في الرأي والعمل، واختلف في شرط خامس وهو النسب القرشي. ذكر القرطبي أن شروط الإمامة أحد عشر شرطا، قال ابن عابدين: وذكر العلامة البيري في أواخر شرحه على الأشباه أن من شروط الإمامة: أن يكون عدلا بالغا أمينا ورعا ذكرا موثوقا به في الدماء والفروج والأموال، زاهدا متواضعا مسايسا في موضع السياسة. المدارس الفقهية. التاريخ. في كتب التراث الإسلامية مثل طبقات الفقهاء للشيرازي المكتوب في القرن الخامس الهجري، يذهب المؤلف لاعتبار أكثر الصحابة فقهاء بالتعريف، ويجعل الشيرازي الخلفاء الراشدين وعائشة من طبقة "فقهاء الصحابة"، ويضم إليهم من عُيّن ليفتي أو يفقّه أو أرسل ليقضي أو يحكم في زمن الرسول أو من الخلفاء والصحابة، ويستشهد لهم بالرسول والصحابة وأقوالهم عن بعض. فيورد عبد الله بن مسعود الذي أرسله عمر بن الخطاب إلى الكوفة في العراق قاضيا ووزيرا وأبو موسى الأشعري الذي بعثه النبي ليعلم أهل اليمن القرآن وولاه عمر على البصرة وأبي بن كعب الذي قيل عنه "أقرأ المسلمين" و"سيد أهل المدينة" ومعاذ بن جبل الذي قيل أن الصحابة كانو يقبلون عليه إذا امترى عليهم شيء فيسألونه وزيد بن ثابت الذي قيل فيه أنه أعلم المسلمين بالفروض وأبو الدرداء الذي أوصى معاذ بن جبل بالتماس العلم من منه. يصنف الشيرازي طبقة أخرى من فقهاء الصحابة ويسميهم "أحداث الصحابة" فقه هؤلاء إلى طبقة أخرى من الصحابة وكان أشهرهم العبادلة الأربعة (لأسمائهم التي تبتدء بـ"عبد الله" وهم: عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن عمرو بن العاص، وانتقل فقه العبادلة إلى فقهاء التابعين، ثم يصنف الشيرازي طبقة فقهاء يسميها "فقهاء التابعين" وتابعيهم، وأسسوا مذاهب الفقه الإسلامي، وكان كل من جاء بعدهم عالة عليهم في الأخذ عنهم، ويعد القرن الثاني والثالث من الهجرة النبوية بمثابة العصر الذهبي لصياغة المذاهب الفقهية وتدوين أصولها وقواعدها. وبعد وفاة العبادلة كان فقه الصحابة قد انتقل إلى التابعين في جميع البلدان، وكان من أشهرهم بحسب البلدان: فقيه مكة عطاء وفقيه المدينة سعيد بن المسيب وفقيه اليمن طاوس وفقيه اليمامة يحيى بن أبي كثير وفقيه البصرة الحسن وفقيه الكوفة إبراهيم النخعي وفقيه الشام مكحول وفقيه خراسان عطاء الخراساني. تأسست مدارس فقه أهل السنة والجماعة على يد فقهاء الصحابة الذين انتشروا في مختلف البلدان، ثم تابعييهم، وكان منهم الأئمة المجتهدون، وجميع الفقهاء كانوا من رواة الحديث، واشتهرت مدرسة فقه أهل الحجاز في المدينة المنورة، وأشتهر من أعلامها زيد بن ثابت، وأشهر من أخذ عنه عشرة من فقهاء المدينة: سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وأبان بن عثمان وقبيصة بن ذؤيب والقاسم بن محمد. وأشهر من أخذ عنهم محمد بن مسلم الزهري وعنه أخذ الإمام مالك بن أنس. ومدرسة الحجاز بمكة واشتهر فيها مذهب ابن عباس ومن أشهر تلامذته الفقهاء: عكرمة، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير. ثم انتقل الفقه إلى طبقة ثانية ومنهم: ابن جريج، ثم انتقل الفقه إلى طبقة ثالثة ومنهم: مسلم بن خالد الزنجي وعنه أخذ الشافعي الفقه. ثم انتقل الفقه إلى طبقة أخرى اشتهر منها: محمد بن إدريس الشافعي مؤسس المذهب الشافعي. واشتهر من الطبقة الأولى من فقهاء الصحابة في اليمن: علي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل، ثم فقهاء التابعين في باليمن واشتهر منهم:طاوس بن كيسان اليماني، وعطاء بن مركبوذ، وأبو الأشعث شراحيل بن شرحبيل الصنعاني، وحنش بن عبد الله الصنعاني، ووهب بن منبه. واشتهر من فقهاء التابعين بالشام والجزيرة: أبو إدريس الخولاني وشهر بن حوشب الأشعري، ثم انتقل الفقه إلى طبقة ثانية ومنهم: عبد الله بن أبي زكريا، وهاني بن كلثوم. ورجاء بن حيوة ومكحول الشامي، ومنهم أبو أيوب سليمان بن موسى أبو الربيع الأشدق، ثم انتقلت الفتوى بالشام إلى: الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز التنوخي، ومنهم: يزيد بن يزيد بن جابر، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وأبو الهذيل محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي، ويحيى بن يحيى الغساني وكان مفتي أهل دمشق. وثبتت الفتيا بالشام على مذهب الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز. ومن فقهاء التابعين بالجزيرة: ميمون بن مهران. واشتهر من فقهاء التابعين بمصر: الصنابحي، والجيشاني، وهما من أصحاب عمر. ثم انتقل إلى طبقة أخرى، ومنهم: أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني، قاضي الإسكندرية، أخذ عنه أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب. وكان ممن انتقل إليه الفقه: بكير بن عبد الله بن الأشج وأبو أمية عمرو بن الحارث، ثم انتهى علم هؤلاء إلى أبي الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن، مؤسس مذهب فقهي. فقهاء العراق والبلدان الأخرى. مدرسة الكوفة بالعراق: واشتهرت بفقه ابن مسعود. وأخذ عنه فقهاء العراق وغيرهم، وكان من أشهر التابعين الذين أخذوا مذهبه: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، وعبيدة بن عمرو السلماني وشريح القاضي والحارث الهمداني، وهؤلاء الستة المذكورون هم أصحاب عبد الله بن مسعود، ومنهم عمرو ابن شرحبيل الهمداني وغيره. ثم انتقل الفقه إلى طبقة أخرى منهم: الشعبي، وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، ثم انتقل الفقه بعد ذلك إلى طبقة أخرى منهم: الحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان تفقه بإبراهيم النخعي، وأخذ أبو حنيفة عنه الفقه. وحبيب بن أبي ثابت، والحارث بن يزيد العكلي، والمغيرة بن مقسم الضبي وأبو معشر زياد بن كليب بن تميم الحنظلي، والقعقاع بن يزيد، والأعمش، ومنصور بن المعتمر، أخذوا العلم عن الشعبي والنخعي، وابن شبرمة وابن أبي ليلى ثم حصل الفقه والفتيا في: سفيان الثوري، مؤسس مذهب فقهي ومنهم: الحسن بن صالح بن حي بن مسلم بن حيان الهمداني، وشريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي، وأبو حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفي. واشتهر من فقهاء التابعين بالبصرة: الحسن البصري، وجابر بن زيد الأزدي، ومحمد بن سيرين، ورفيع بن مهران، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، ومسلم بن يسار، أبو قلابة، وغيرهم. واشتهر في عصر الأئمة المتقدمين من أصحاب المذاهب الفقهية بعد أبي حنيفة ومالك والشافعي فقهاء بغداد وأشهرهم: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني، كان أحد رواة المذهب الشافعي، ثم استقل بوضع مذهب آخر يعد رابع المذاهب الفقهية الكبرى. وأبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، وهو من رواة المذهب الشافعي، بصفة مجتهد مطلق منتسب. وأبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي. وأبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصفهاني. وأبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أحد رواة المذهب الشافعي بصفة مجتهد مطلق منتسب. واشتهر من فقهاء خراسان: عطاء بن أبي مسلم الخراساني. وأبو القاسم الضحاك بن مزاحم الهلالي. وأبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك المروزي. وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي المعروف بـ ابن راهويه. وبعد انتشار الإسلام في أفريقية ثم الأندلس والمغرب، وكانت الحجاز أقرب إليهم من غيرها، حيث اشتهرت المدينة المنورة بفقه الإمام مالك بن أنس وكان أغلب فقهاء تلك البلاد يأخذون بفقه مالك، وبعد تدوين المذاهب الفقهية انتشر مذهب مالك في المغرب والأندلس. المذاهب الفقهية. المذاهب الفقهية التي صارت تعرف بمذاهب أهل السنة والجماعة هي خلاصة فقه الصحابة والتابعين وتابعيهم، وفي بداية تاريخ نشأة هذه المذاهب كانت هناك طريقتان مشهورتان أحدهما: طريقة أهل الرأي والقياس وهي طريقة أهل العراق، وإمامهم أبو حنيفة وأصحابه من بعده، وثانيهما: طريقة أهل الحديث وهي طريقة أهل الحجاز، وإمامهم مالك بن أنس وكان يعرف بـإمام دار الهجرة، وقد اختص فقهه بعمل أهل المدينة على اعتبار أنهم متابعون لمن قبلهم ضرورة لدينهم واقتدائهم. ثم كان من بعد مالك بن أنس محمد بن أدريس الشافعي، تفقه بفقه أهل الحجاز، ثم انتقل إلى العراق من بعد مالك وأخذ عن أصحاب أبي حنيفة وجمع بين طريقة أهل الحجاز وطريقة أهل العراق، وجاء من بعدهما أحمد بن حنبل وكان من عِلِّيّة المحدثين، وأخذ عن الشافعي وروى عنه مذهبه، ثم استقل بمذهب آخر. ويذكر ابن خلدون في تاريخه: أن المذاهب المشتهرة في العصور المتقدمة كانت ثلاثة: مذهب أهل الرأي والقياس وأشهر أئمتهم أبو حنيفة وأصحابه من بعده، ومذهب أهل الحديث وإمامهم مالك ثم الشافعي، ومذهب داود الظاهري. وكان إمام هذا المذهب داود ابن علي وابنه وأصحابهما وكانت هذه المذاهب الثلاثة هي مذاهب الجمهور المشتهرة بين الأمة. وقد انقرض مذهب الظاهرية واندراس في العصور المتأخرة، ولم يبق منه سوى الرسوم في الكتب، بنقل العلم من الكتب من غير مفتاح المعلمين وهو ما قد يؤدي إلى مخالفة الجمهور. قال ابن خلدون: «ثم درس مذهب أهل الظاهر اليوم بدروس أئمته وإنكار الجمهور على منتحله ولم يبق إلا في الكتب المجلدة». وقد استقر العمل بهذه المذاهب الأربعة، ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة ودرس المقلدون لمن سواهم وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرحوا بالعجز والإعواز، وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء كل من اختص به من المقلدين، وحظروا أن يتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب، ولم يبق إلا نقل مذاهبهم، وعمل كل مقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية، لا مجرد النقل من الكتب. قال ابن خلدون: «ومدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده، وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة». وأما أحمد بن حنبل فتأسس مذهبه في بغداد، وكان أكثر مقلديه بالشام والعراق من بغداد ونواحيها وهم أكثر الناس حفظا للسنة ورواية الحديث. وانتشر مذهب مالك في الأندلس والمغرب، وانتشر مذهب أبي حنيفة في العراق ومسلمة الهند والصين وما وراء النهر وبلاد العجم. وكثرت مؤلفات الحنفية ومناظراتهم ومباحثهم مع الشافعية، وجاءوا منها بعلم مستظرف وأنظار غريبة وهي بين أيدي الناس وبالمغرب منها شئ قليل نقله إليه القاضي بن العربي وأبو الوليد الباجي في رحلتهما. وأما الشافعي فمقلدوه بمصر أكثر مما سواها وقد كان انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار وعظمت مجالس المناظرات بينهم وملئت كتبهم بأنواع استدلالاتهم ثم درس ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره وكان الإمام محمد بن أدريس الشافعي لما نزل على بني عبد الحكم بمصر أخذ عنه جماعة من بني عبد الحكم وأشهب وابن القاسم وابن المواز وغيرهم ثم الحارث بن مسكين وبنوه، ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة وتداول بها فقه الإسماعيلية وتلاشى من سواهم إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب ورجع إليهم فقه الشافعي وأصحابه من أهل العراق والشام فعاد إلى أحسن ما كان ونفقت سوقه واشتهر منهم محيي الدين النووي في ظل الدولة الأيوبية بالشام وعز الدين بن عبد السلام كذلك، ثم ابن الرفعة بمصر وتقي الدين ابن دقيق العيد ثم تقي الدين السبكي بعدهما إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد وهو سراج الدين البلقيني فقد كان في ذلك اليوم أكبر الشافعية بمصر كبير العلماء بل أكبر العلماء من أهل العصر. المذاهب الأربعة حسب تاريخ الظهور هي: المذاهب الفقهية الأخرى: علم الخلافيات. أئمة المذاهب الفقهية متفقون في أصول الأحكام الشرعية الكلية وأصول الدين (العقيدة)، وإنما وقع الاختلاف في الفروع الفقهية. ولا يوجد بينهم اختلاف في العقيدة. ولم يحصل الاختلاف بين الأئمة من السلف في أمور الاعتقاد (أصول الدين) وإنما كان اختلافهم في الأحكام الفرعية، إما لعدم توفر دليل صريح من الكتاب والسنة، أو لضعف حديث بحيث لا تقوم به حجة، أو غيره من الأسباب. ومع انتشار الإسلام وتوسعه وتعرضه للكثير من القضايا الجديدة التي ليس لها نص من الكتاب والسنة يدل عليها بخصوصها كانت هناك حاجة ملحة للخروج باجتهادات لهذه القضايا الفقهية المستجدة وتلبية حاجات الناس والإجابة عن تساؤلاتهم ومن هنا نشأت جماعة من علماء الفقه في الدين تعلم الناس في كل إقليم شؤون دينهم ودنياهم. وكان التوسع الجغرافي للإسلام وتنوع البيئات التي انتشر فيها، وأيضا قابلية الكثير من النصوص الشرعية الإسلامية للاجتهاد فيها حسب الظروف والحالات كل ذلك أدى إلى نشأة المدارس الفقهية التي انتشرت في مختلف الأمصار الإسلامية. وأدلة الفقه عند أهل السنة والجماعة إما سمعية وهي: الكتاب والسنة والإجماع وإما عقلية وهي: القياس، بالإضافة إلى طرق أخرى للاستدلال مذكورة في كتب أصول الفقه. وكما تقرر فإنه لا اختلاف بين الأئمة كليات الشريعة، ولا في فروع الدين المتفق عليها مثل: فرض الصلاة والزكاة وغيرها مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وإنما حصل الاختلاف في فروع الفقه التي هي محل الاجتهاد، ويكون الترجيح أو تقرير الحكم في المسألة عند المجتهد وفق أصول وقواعد مذهبه التي يستند إليها في الاستدلال. وبما أن المذاهب الأربعة هي التي استقر العمل عليها عند جمهور أهل السنة والجماعة؛ فقد ظهرت ثمرة الخلاف في نشأة علم الخلافيات، الذي الذي كانت مؤلفات الحنفية والشافعية فيه أكثر من المالكية، وقد ذكره ابن خلدون ثم قال عنه: «وهو لعمري علم جليل الفائدة في معرفة مآخذ الأئمة وأدلتهم ومران المطالعين له على الاستدلال عليه وتآليف الحنفية والشافعية فيه أكثر من تآليف المالكية؛ لأن القياس عند الحنفية أصل للكثير من فروع مذهبهم كما عرفت فهم لذلك أهل النظر والبحث، وأما المالكية فالأثر أكثر معتمدهم وليسوا بأهل نظر». عقيدة أهل السنة والجماعة. عقيدة أهل السنة والجماعة هي أصول الدين الإسلامي المتفق عليها، بناء على أن الإسلام هو دين الله الذي ارتضاه لجميع خلقه، قال تعالى: وقال تعالى: . وأهل السّنة والجماعة متفقون في أصول الاعتقاد المتمثلة في توحيد الله والإيمان به وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بكل ما جاء به الرسول من عند الله، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. والإيمان تصديق بكل ما علم من الضروريات أنه من الدين، والإيمان بالله هو العلم واليقين الجازم أن الله وحده هو إله الكون كله وهو الإله المعبود بحق لا إله غيره ولا تكون العبادة إلا له وحده لا شريك له ولا شبيه ولا نظير ولا ند ولا صاحبة له ولا ولد، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وأنه رب العالمين وخالق الخلق أجمعين ومالكهم ومدبر جميع شؤونهم، وأنه متصف بكل صفات الكمال المطلق، والمنزه عن كل نقص، وأنه أنشأ الخلق وأوجد كل المخلوقات من عدم، وكل ما سواه مفتقر إليه وهو مستغن عمن سواه، يدخل من يشاء في رحمته، يغفر لمن يشاء بفضله ويعاقب من يشاء بعدله، لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون، يعلم كل الأشياء ظاهرة وباطنة خفية كانت أو دقيقة ويعلم ما هو أدق وأخفى ويعلم السر وأخفى، وهو السميع البصير اللطيف الخبير، كل المخلوقات قهر عظمته، وأنه هو المبدئ والمعيد والمحيي والمميت والنافع الضار، له الأسماء الحسنى والصفات العلا. والإيمان بالله -«مقرونا بالباء»- تصديق بالقلب وإقرار، والإيمان لله -«مقرونا باللام»- هو العمل الصالح. والإيمان بالرسل وبالملائكة وبكل ما يجب في حقهم. والإيمان باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والإيمان بالغيب أي: بما غاب عن الأعين مما دلت النصوص الشرعية عليه كالإيمان بالجنة والنار والبعث والنشور والجزاء والحساب والصراط والميزان وغير ذلك. أصول الدين. أصول الدين أو أصول العقيدة الإسلامية عند أهل السنة والجماعة كلها منقولة بالتلقي عن أئمة السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وكلهم متفقون سلفا وخلفا على قول واحد في أصول الاعتقاد، وما وقع بينهم من اختلاف فهو خلاف لفظي أو شكلي لا يستوجب تكفيرا ولا تبديعا ولا تفسيقا لبعضهم البعض، وهذه الأصول مقررة في كتب أئمتهم المعول على الأخذ بها، ويكفي معرفتها بطريقة ميسرة من غير التدخل فيما نهى الله ورسوله عن الخوض فيه، وقد بين مراتب الدين في حديث جبريل وهي الإسلام والإيمان والإحسان. والإيمان في اللغة التصديق، والمقصود به الإقرار والتصديق بالله ورسوله وبكل ما يجب الإيمان به أنه من دين الإسلام، وفي القرآن: نزلت في وفد أقروا بالإسلام ظاهرا وعلم الله ما في قلوبهم فأخبر نبيه بذلك فتحقق الحكم عليهم بطريق الوحي، فالإيمان بالله تصديق وإقرار في القلب وهو بعلم الله المطلع على حقائق القلوب، وقد سمى الله الصلاة إيمانا؛ لأن العمل الصالح من الإيمان لله بمعنى تصديق ما في القلب بالعمل فالإيمان قول وعمل، وأجمع أهل السنة والجماعة على أن الإيمان يزيد بعمل الطاعات وينقص بالمعصية، وعلى أن المؤمن بالله لا يخرجه عنه شيء من المعاصي، خلافا للخوارج ومن وافقهم؛ لأن العصاة لم يخرجوا من خطاب التكليف ولا يخرجون من الملة بسبب الذنوب، وأنه لا يقطع على أحد من عصاة أهل القبلة بدخول النار، ولا على أحد من أهل الطاعة بالجنة، إلا من ثبت فيه نص صريح قطعي من الكتاب أو السنة. وأجمع أهل السنة والجماعة على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكييف له وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم، وعلى أنه تعالى غير محتاج إلى شيء مما خلق، وأنه تعالى يضل من يشاء ويهدى من يشاء ويعذب من يشاء وينعم على من يشاء، ويعز من يشاء ويغفر لمن يشاء ويغني من يشاء، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وأنه لا يسأل في شيء من ذلك عما يفعل، وأنه يفعل ما يشاء كما يريد، ويؤتي من يشاء ما يشاء لا اعتراض عليه كما قال: وقال: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وعلى جميع الخلق الرضا بأحكام الله التي أمرهم أن يرضوا بها، والتسليم في جميع ذلك لأمره، والصبر على قضائه، والانتهاء إلى طاعته فيما دعاهم إلى فعله أو تركه، وأنه متصف بالعدل في جميع أفعاله وأحكامه ساءنا ذلك أم سرنا نفعنا أو ضرنا. وأجمعوا على أن الله خالق لجميع الحوادث وحده لا خالق لشيء منها سواه، يعطي من يشاء ويوفق من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهو المنعم المتفضل على عباده، وأنه ليس لأحد من الخلق الاعتراض على الله تعالى في شيء من تدبيره، وأن من يعترض عليه في أفعاله متبع لرأي الشيطان في ذلك حين امتنع من السجود لآدم عليه السلام وزعم أن ذلك فساد في التدبير وخروج من الحكمة حين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. وأجمع أهل السنة والجماعة على أن للعباد حفظة يكتبون أعمالهم، وعلى أنه تعالى قد قدر جميع أفعال الخلق وآجالهم وأرزاقهم قبل خلقه لهم وأثبت في اللوح المحفوظ جميع ما هو كائن منهم إلى يوم يبعثون، وقد دل على ذلك بقوله . وعلى أن عذاب القبر حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الله يبعث من في القبور، وعلى أنه ينفخ في الصور قبل يوم القيامة ويصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، وعلى أن الله تعالى يعيدهم كما بدأهم، وأن الله تعالى ينصب الموازين لوزن أعمال العباد، وأن الخلق يؤتون يوم القيامة بصحائف فيها أعمالهم فمن أوتي كتابه بيمينه حوسب حسابا يسيرا، ومن أوتي كتابه بشماله فأولئك يصلون سعيرا، وعلى الصراط والشفاعة والحوض، وعلى أن الله تعالى يخرج من النار من في قلبه شيء من الإيمان بعد الانتقام منه. وأجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليهم بأيديهم وبألسنتهم إن استطاعوا ذلك وإلا فبقلوبهم. قال أبو الحسن الأشعري: «وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل وعلى أن يغزوا معهم العدو ويحج معهم البيت وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع والأعياد». فضل الصحابة. اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على أن خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم على كما دل عليه حديث: «خيركم قرني» وعلى أن خير الصحابة الأئمة الخلفاء الأربعة وأولهم: أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب، ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر، وعلى أن الخيار بعد العشرة في أهل بدر من المهاجرين والأنصار على قدر الهجرة والسبق في الإسلام، وعلى أن كل من آمن بالله ورسوله وحصلت له الصحبة ولو ساعة أو اجتمع برسول الله أو رآه ولو مرة مع إيمانه به وبما دعا إليه أفضل من التابعين بذلك. وأن إمامة الخلفاء الراشدين كانت عن رضى من جماعتهم وأن الله ألف قلوبهم على ذلك لما أراده من استخلافهم جميعا بقوله: وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة عليهم السلام إلا بخير ما يذكرون به وعلى أنهم أحق أن ينشر محاسنهم ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج وأن نظن بهم أحسن الظن وأحسن المذاهب ممتثلين في ذلك لقول رسول الله: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا» وقال أهل العلم معنى ذلك لا تذكروهم إلا بخير الذكر، وقوله «لا تؤذوني في أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وعلى ما أثنى الله تعالى به عليهم بقوله . الآية وأجمعوا على أن ما كان بينهم من الأمور الدنيا لا يسقط حقوقهم كما لا يسقط ما كان بين أولاد يعقوب النبي عليه السلام من حقوقهم، وعلى أنه لا يجوز لأحد أن يخرج عن أقاويل السلف فيما أجمعوا عليه وعما اختلفوا فيه أو في تأويله لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أقاويلهم. وأجمعوا على النصيحة للمسلمين والتولي بجماعتهم وعلى التوادد في الله والدعاء لأئمة المسلمين والتبري ممن ذم أحدا من أصحاب رسول الله وأهل بيته وأزواجه وترك الاختلاط بهم والتبري منهم. فهذه الأصول التي مضى الأسلاف عليها واتبعوا حكم الكتاب والسنة بها واقتدى بهم الخلف الصالح في مناقبها. مفهوم الوسطية. مفهوم الوسطية في الإسلام عدم الإفراط ولا التفريط، بل وسطا بين ذلك قواما ودينا قيما لا غلو فيه ولا تقصير، فالمغالاة في الدين بتجاوز الحد فيه منهي عنها في الدين الإسلامي، والوسطية فيه مطلوب ديني لا يختص بمجموعة من المسلمين دون أخرى، وقد جاء عن أئمة أهل السنة والجماعة وعلمائهم أنهم يعتبرون التوسط في الدين منهجا دينيا عاما على اختلاف المسارات الاعتقادية والعملية والأخلاقية، ويعتبرون الغلو أو التقصير في أصول الاعتقاد أنه من سمات فرق الضلال كالخوارج ومن تبعهم فقد ذكروا في وصفهم ما رواه البخاري في صحيحه في الحديث بلفظ: الحديث. وذلك أنهم بالغوا في التعبد حتى وصفوا المقصرين والعصاة بالكفر، وهذا مخالف لوسطية الإسلام، ومن جهة أخرى فإنهم بالغوا في القول: أن المعصية كفر، وغالوا في تفسير آيات الوعيد حتى كفروا كل من يرتكب إثما وقالوا: أن العاصي مخلد في النار، ومنعوا بذلك رحمة الله عن الناس، ومن أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه، وأن الجزاء الأخروي بمشيئة الله ولا شأن للمخلوقين بتقرير ذلك. ومن أمثلة الغلو في الدين ما ذكر في القرآن من وصف النصارى لعيسى ابن مريم بصفات الألوهية، قال الله تعالى: فالأنبياء والعلماء والصالحون لهم مكانة واحترام وهم أولى بالتعظيم، والمنهي عنه في الإسلام إنما هو الإطراء بمعنى: المبالغة في تعظيم المخلوق ووصفه بما لا يستحق، فالألوهية لله وحده لا شريك له. وقد جاء في القرآن التأكيد على أن الله جعل الأمة المحمدية أمة وسطا في قوله تعالى أي: خيارا عدولا، أي: جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم. والوسط: العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها. وروى الترمذي: . قال: هذا حديث حسن صحيح. وفي التنزيل: ، أي: أعدلهم وخيرهم. وقال زهير: وقال آخر: وقال آخر: ووسط الوادي: خير موضع فيه وأكثره كلأ وماء. ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم. وفي الحديث: «خير الأمور أوسطها»، وفيه عن علي رضي الله عنه: «عليكم بالنمط الأوسط، فإليه ينزل العالي، وإليه يرتفع النازل». قال الشاطبي في معنى قول الله تعالى: : فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه، وهو السنة، والسبل هي سبل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع، وليس المراد سبل المعاصي؛ لأن المعاصي من حيث هي معاص لم يضعها أحد طريقا تسلك دائما على مضاهاة التشريع، وإنما هذا الوصف خاص بالبدع المحدثات. وعن مجاهد في قوله: ، قال: البدع والشبهات. وسئل مالك عن السنة؟ فقال: هي ما لا اسم له غير السنة، وتلا: . فهذا التفسير يدل على شمول الآية لجميع طرق البدع، لا تختص ببدعة دون أخرى. ومن الآيات قول الله تعالى: . فالسبيل القصد هو طريق الحق، وما سواه جائر عن الحق أي: عادل عنه وهي طرق البدع والضلالات. والصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه هو سبيل الله الذي دعا إليه، ومهمة الأنبياء والرسل هداية الناس إلى صراط الله المستقيم هداية دلالة وإرشاد، والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد، والضلال والضلالة: ضد الهدي والهدى، وهو الخروج عن الطريق، فالضال يلتبس عليه الأمر حيث لم يكن له هاد يهديه، وهو الدليل، فصاحب البدعة لما غلب الهوى مع الجهل بطريق السنة توهم أن ما ظهر له بعقله هو الطريق القويم دون غيره، فمضى عليه، فحاد بسببه عن الطريق المستقيم، فهو ضال وإن كان بزعمه يتحرى قصدها. فالمبتدع من هذه الأمة، إنما ضل في أدلتها، حيث أخذها مأخذ الهوى والشهوة لا مأخذ الانقياد تحت أحكام الله، وهذا هو الفرق بين المبتدع وغيره؛ لأن المبتدع جعل الهوى أول مطالبه، وأخذ الأدلة بالتبع. وقد جاء النهي عن كثرة السؤال والمغالات فيه لقوله تعالى: وفي الحديث: . ولمسلم بلفظ: «ذروني» وهي بمعنى دعوني وذكر مسلم سبب هذا الحديث من رواية محمد بن زياد فقال: . قال ابن حجر: والمراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه، والنهي عن كثرة السؤال لما فيه غالبا من التعنت، وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل، فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة. قال ابن فرج: معنى قوله ذروني ما تركتكم لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظهر ولو كانت صالحة لغيره، والنهي عن التنقيب عن ذلك لأنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل، إذ أمروا أن يذبحوا البقرة فلو ذبحوا أي بقرة كانت لامتثلوا ولكنهم شددوا فشدد عليهم. وفيه دليل النهي عن كثرة المسائل والمغالاة في ذلك، قال البغوي في شرح السنة: المسائل على وجهين أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين فهو جائز بل مأمور به لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر الآية، وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما. ثانيهما: ما كان على وجه التعنت والتكلف، وهو المراد في هذا الحديث والله أعلم، ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف، فعند أحمد من حديث معاوية أن النبي نهى عن الأغلوطات قال الأوزاعي: هي شداد المسائل، وقال الأوزاعي أيضا: «إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقل الناس علما» وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: «المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل» وقال ابن العربي: «كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية أن ينزل ما يشق عليهم، فأما بعد فقد أمن ذلك لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع» قال: «وإنه لمكروه إن لم يكن حراما إلا للعلماء فإنهم فرعوا ومهدوا فنفع الله من بعدهم بذلك، ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم» انتهى. ملخصا. وفي الحديث: . قال الشاطبي: فمن نصوص القرآن الدالة على ذم البدعة: قول الله تعالى: ، فالمحكمات بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد من الناس، والمتشابهات تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد. وفي رواية للبخاري بلفظ: . وفي رواية: . وفي رواية: . روى ابن كثير عن الإمام أحمد: في قوله: قال: "هم الخوارج"، وفي قوله: ، قال: . ورجح الطبري أنه وإن كان نزول الآية في نصارى نجران إلا أنه يشمل جميع أصناف المبتدعة كان من النصرانية أو اليهودية أو المجوسية أو كان سبئيا أو حروريا أو قدريا أو جهميا وغيرهم ممن يجادلون فيه. وهذا بخلاف استخدام العقل وسيلة للتفكر في المخلوقات المؤدي إلى الإيمان، حيث دلت نصوص الشريعة على استخدام البرهنة العقلية في إثبات العقائد، قال ابن خلدون: . الجدول التالي يعرض وجهة النظر السنية من ناحية أن أهل السنة والجماعة هم أهل الوسطية في المعتقدات. التاريخ. بطبيعة الحال يتصور كثير من أهل السنة اليوم أن الإسلام السني يمثل طبيعة الإسلام الذي ظهر في الفترة اللاحقة لموت الرسول ، وأن باقي الطوائف هي انشقاقات عن الإسلام السني، كذلك ترى الطوائف الأخرى في المقابل بطبيعة الحال أيضا أنها هي الأصل أو الممثل لطبيعة الإسلام الأولى، والأخذ بالتصور السني هو أمر يشير إليه مؤرخون مثل آرون هويز بأنها مغالطة شائعة لأنها مبنية على الأخذ بمصادر متأخرة وأيدولوجية كما لو كانت تمثل سرد تاريخي منضبط، ويرسخ ذلك الانطباع كون الغالبية العظمى من عموم المسلمين ينتسبون للسنة، بينما يُعزى الطائفتان الكبريان، السنة والشيعة، وغيرهما من الطوائف، لكونهم نتاج نهائي لخلافات أيدولوجية امتدت لقرون، استخدمت فيها كل طائفة الآخر لتثبيت هويتها وتعاليمها. أول بِدعة في الإسلام. كانت أول بِدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان خروجهم عن الحق بسبب الدنيا، وهو ما ذكره ابن كثير الدمشقي (ت 774 هـ) في تفسيره حيث قال: . وهذا الحديث في الصحيحين وغيرهما بروايات صحيحة ومنها في صحيح مسلم: . وفي كلام ابن كثير أن ذا الخويصرة رأس الخوارج فإنه استحدث شبهة الخروج على الحق، ويدل عليه قوله: أي: من جنسة، ومثل هذا استحداث الفتنة في زمن عثمان بن عفان والخروج عليه وقتله، إلا أن خروجهم عن الحق لم يكن تحت مسمى فرقة إلا في زمن الخليفة علي بن أبي طالب حينما أعلنوا انشقاقهم عنه بعد وقعة صفين فكانوا أول فرقة ظهرت في الإسلام، فقد انضموا في بداية الأمر إلى صف علي بن أبي طالب، فلما قبل بالتحكيم أعلنوا خروجهم وصاحوا قائلين: «لا حكم إلا لله»، فرد عليهم علي بن أبي طالب بقوله: ، حيث كان خروجهم لسبب دنيوي تحت مسمى ديني، وقد استشار الصحابة بشأنهم وحاورهم ابن عباس وغيره من الصحابة، ثم اتفقت أقوال الصحابة على وجوب قتالهم بما لديهم من نصوص الأحاديث الدالة على قتالهم إذا أعلنوا خروجهم، وقتلهم علي بن أبي طالب بالنهروان. قال ابن كثير: . وفي رواية عن حذيفة: . عن ابن العاص عن رسول الله قال: . قال النووي: . وقد جاء في الحديث: وفي رواية مسلم: ، أي: من الدين، والمراد به هنا: دين الإسلام، كما في الرواية الأخرى بلفظ: ، كما يدل عليه قول الله تعالى: . قال القاضي: معناه: يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق به شيء منه، والرمية هي الصيد المرمي. وقال الخطابي: هو الطاعة أي: من طاعة الإمام. انتهى ملخصا من كلام النووي. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما الكثير من الأحاديث الصحيحة في نعت الخوارج بأنهم: ، وجاء في وصفهم حديث: . وجاء في حديث ذي الخويصرة في صحيح مسلم بلفظ: . استحدث الخوارج أول بدعة في الإسلام تتضمن مقولات متشددة ومبالغ فيها، واتخذوا من مبدأ التكفير سببا للخروج على ولاة أمر المسلمين، وبما أن علي بن أبي طالب كان صارما في التعامل معهم وبما لديه من الفقه في الدين، فقد حاورهم وحاول أن يستعيدهم للصواب فرجع منهم من رجع وبقي منهم من بقي، وبعد وقعة النهروان لم يبق منهم إلا عدد قليل تفرقوا في البلدان. ذكر ابن بطال في حديث عن علي بن أبي طالب أنه قال في أثناء خطبته: وأشار إلى لحيته. وقد توجه من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم لقتل علي بن أبي طالب فقتله في المسجد يوم الجمعة قبل صلاة الفجر. الكلام في الصفات ومسائل الاعتقاد. بعد ظهور الخوارج وانشقاقهم عن جماعة الصحابة تفرعت منهم فرق كثيرة، وقد وصفهم أهل السنة بأنهم أهل الأهواء المضلة الذين استحدثوا بأهوائهم ما لا أصل له في الشريعة وتكلموا فيما نهى الله ورسوله عن البحث فيه فاختلفت أهواؤهم وافترقت آرآؤهم وتحولت شبهاتهم إلى معتقدات صاروا بسببها جماعات متفرقة، وكان أئمة أهل السنة من متقدمي عصر السلف يكتفون بإضاح القول فيما يحتاج إلى إيضاح ولا يتكلمون فيما نهى الله ورسوله عن الخوض فيه، ويتركون الخصام والجدال والمراء فيه، قال ابن خلدون في تاريخه المدون في القرن الثامن الهجري: . وجاء في كلامه أنه لما كان وجوب التنزيه لله تعالى في وصفه بالكمال المطلق، ودلت عليه النصوص كقوله تعالى: فقد بالغت القدرية (المعتزلة) في التنزيه مما أدى إلى استحداث بدعة القول بإنكار صفات ثابتة بالنص، وبالمقابل فقد ظهر في عصر السلف مبتدعة بالغوا في إثبات الصفات، اتبعوا المتشابهات من النصوص وفسروها بحسب الظاهر، فوقعوا في التجسيم المناقض لآيات التنزيه الصريح، وذكر أبو الفتح الشهرستاني (479 هـ/ 548 هـ) في كتابه: «الملل والنحل» أن المعتزلة لما بالغوا في التنزيه فأنكروا صفات ثابتة بالنص أطلقوا عليهم معطلة، وأن السلف لما كانوا من مثبتي الصفات كانوا يسمونهم الصفاتية، وأن بعض السلف بالغوا في إثبات الصفات فوقعوا في التجسيم، وذكر منها بدعة محمد بن كرام السجستاني، في القول بالتجسيم وتنسب إليه الكرامية، وقد نصرهم محمود بن سُبُكْتِكِيْن السلطان، (وكان من الكرامية). قال ابن خلدون: . اتفق أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا على أن النصوص الموهمة بظاهرها للتشبيه بالحوادث هي من المتشابهات التي لا يجوز الخوض فيها، وقد نهى الله عن الخوض فيها؛ لأنه من صفات أهل الزيغ والضلال حيث أنهم تكلموا فيما لم يأذن به الله مما ليس لهم به علم وفسروا المتشابهات وفق أهوائهم، وقد ورد ذلك في القرآن في قوله تعالى: . روى ابن كثير: . هناك مذهبان مرويان عن الصحابة ذكرهما المفسرون في قوله تعالى: ، وقد ذكر ابن جرير الطبري القول في تأويل الآية: أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله، قال: . ثم ذكر اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك وهل يعلمون بتأويل المتشابه، أم أنهم يقولون: ءامنا بالمتشابه وصدقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله؟ فقال بعضهم: معنى ذلك: وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفردا بعلمه، وأما الراسخون في العلم فيؤمنون به ولا يعلمون تأويله، عن عائشة قالت: . وروى هذا عن ابن عباس وعروة وأبي نهيك الأسدي وعمر بن عبد العزيز ومالك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ، وهم مع علمهم بذلك ورسوخهم في العلم يقولون: . وروى عن ابن عباس أنه قال: . وعن مجاهد: : يعلمون تأويله ويقولون: . قال أبو جعفر: . وهذا المذهبان المرويان عن السلف حكاهما ابن كثير (وهو من علماء القرن الثامن الهجري) أولهما: أنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله، وهو ما رواه ابن جرير على قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي ابن كعب، وكذا رواه ابن جرير عن عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس: أنهم يؤمنون به ولا يعلمون تأويله، واختار ابن جرير هذا القول. وهذا هو مذهب التسليم أو التفويض لأنهم يفوضون علم ذلك لله ولا يأولون المتشابه بل يؤمنون به ويقولون: لا يعلم تأويله إلا الله، وهذا القول مروي عن أئمة السلف. وثانيهما: لا يعلم تأويل المتشابه الذي أراد ما أراد يعلمون تأويله ، ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمات التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد، فاتسق بقولهم الكتاب، وصدق بعضه بعضا فنفذت الحجة وظهر به العذر وزاح به الباطل ودفع به الكفر، ويسمى مذهب التأويل وهو مروي عن بعض أئمة السلف، قال ابن كثير: . هناك نصوص من الكتاب والسنة تدل على استخدام الاستدلالات العقلية في إثبات مسائل الاعتقاد، وهذا لا خلاف فيه عند أهل السنة والجماعة، إلا أن الكلام في مسائل الاعتقاد الذي استحدثته الفرق المنشقة عن أهل السنة والجماعة أخذ منحىً آخر، حيث أنهم تكلموا فيما نهى الله ورسوله عن الخوض فيه. قال الشهرستاني: . قال: . وسبب توقفهم في تفسير الآيات واجتناب الخوض في المتشابهات، للمنع الوارد في التنزيل في قوله تعالى: قالوا: فنحن نحترز عن الزيغ، وقالوا: أن التأويل أمر مظنون بالاتفاق والقول في صفات الباري بالظن غير جائز فربما أولنا الآية على غير مراد الباري تعالى فوقعنا في الزيغ بل نقول كما قال الراسخون في العلم آمنا بظاهره وصدقنا بباطنه ووكلنا علمه إلى الله تعالى ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك إذ ليس ذلك من شرائط الإيمان وأركانه. فهذا هو طريق السلامة وليس هو من التشبيه في شيء. غير أن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه. وكان للإمام أحمد بن حنبل دور بارز في مناصرة السنة والدفاع عنها، والصبر في المحنة وواجه الاضطهاد من المعتزلة، وتبعه في ذلك أئمة الحنابلة الذين تابعوا طريقته في الدفاع عن السنة وساروا على طريقته، وعمل أبو الحسن الأشعري في الرد على أهل الأهواء وصاغ منهجا يقوم على أساس إثبات العقائد الدينية بالأدلة السمعية والعقلية، ويعتمد على منهج الأئمة السابقين، على قاعدة أن النقل هو الأساس وأن العقل خادم للنقل ووسيلة لإثباته والبرهان على صحته. وجمع ما تفرق من كلام علماء أهل السنة والجماعة، وأيد النقل بالعقل، وأبطل مغالطات وأباطيل المعتزلة وغيرها، وقارن ذلك ظهور أبو منصور الماتريدي فيما وراء النهر، وقام بعمل مماثل لعمل لعمل أبي الحسن الأشعري. قال الشهرستاني: ذكر ابن خلدون في تاريخه:. ثم قال: . وقال: . وقال ابن خلدون: . وقال: . التعريف بأهل السنة والجماعة. أهل السنة والجماعة لقب جرى تداوله منذ فترات سابقة في تاريخ الإسلام بسبب الفرق التي ظهر معظمها في عصور السلف، ثم صارت هذه التسمية تمييزا لهم عن الفرق المخالفة لهم، وأصل التسمية عند أئمة أهل السنة والجماعة يرجع إلى معنى الاتباع، فالسنة المتبعة هي الطريقة المسلوكة في الدين، والجماعة أهل الاتباع هم الخلفاء الراشدون والأئمة المجتهدون من الصحابة والتابعين والفقهاء من أهل الرأي وأهل الحديث ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم وأخذ عنهم طريقتهم بالنقل والإسناد المتصل، وقد انتقل فقه الصحابة إلى التابعين فمن بعدهم من الأئمة، وكان لهم اجتهادات في الفروع والتي نتج عنها ظهور المذاهب الفقهية، واشتهر منها طريقتان للمنهج الفقهي ذكرهما ابن خلدون في تاريخة (الذي دونه في القرن الثامن الهجري) هما: منهج فقهاء أهل الرأي في العراق ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه أبو حنيفة، ومنهج فقهاء أهل الحديث في الحجاز وإمامهم مالك بن أنس والشافعي من بعده. وذكر ابن خلدون وغيره أن الإمام الشافعي هو أول من وضع علم أصول الفقه الذي صاغه في كتابه: «الرسالة»، فجمع بذلك بين طريقتي الرأي والحديث، وتلخص مذهب أهل السنة في هذه المرحلة في مذاهب الأئمة الثلاثة وهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي، واستقر فقه أهل السنة على هاتين الطريقتين فيهم وفي أصحابهم من بعدهم، ودخل في جماعتهم أئمة المذاهب الأخرى المتفقون معهم في أصول الدين، وتبعهم الأئمة الفقهاء من أصحاب هاتين الطريقتن في القرن الثالث الهجري، ثم استقر الفقه في أئمة المذاهب الأربعة، ودخل في جماعتهم أئمة المذاهب الفقهية الأخرى الذين اتفقوا معهم في الأصول. بعد انتشار المعتزلة خصوصا في الفترات الأخيرة من عصر السلف وظهور المشبهة والمجسمة وغيرها من الفِرق التي ظهر معظمها في عصر السلف وحدوث الكلام في الصفات وغيرها بدأت بسبب ذلك مرحلة أخرى في استظهار أصول اعتقاد أهل السنة وتأييد مقالتهم بالأدلة ودفع الشبه عنها، وحصل من خلال هذا تمايز هذه الفِرق وكشف أوصافها ومقولاتها ومسمياتها وكتب عنها علماء الأصول في «كتب الفرق» (معظمها في القرن الرابع الهجري)، ومنهم: أبو المظفر الإسفراييني في كتاب: «التبصير في الدين» ذكر تلك الفِرق ثم قال: ، والفِرقة الثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة من أصحاب الحديث والرأي. ومنهم: عبد القاهر البغدادي من فقهاء المذهب الشافعي في كتابه: «الفَرق بين الفِرق»، وضح فيه أسماء هذه الفِرق وصفاتها ومقولاتها التي افترقت بسببها عن بعضها ومخالفاتها لأهل السنة، وأن أهل السنة والجماعة هي الفرقة الثالثة والسبعون وأنهم جماعة واحدة من أهل الرأي وأهل الحديث، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وإن اختلفوا في فروع الأحكام فذلك لا يلحق بسببه تفسيق ولا تبديع ولا تكفير، وكانت التسمية تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفِرق المخالفة لهم. التعريف الذي يميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم من المخالفين لهم إنما يقوم على أساس الاتفاق على قول واحد في الأصول التي اجتمعت عليها جماعة أهل السنة، في المنهج المتبع والطريقة المسلوكة، وإلى هذا أشار عبد القاهر البغدادي في موضع آخر من هذا الكتاب حيث قال: ، وقد بين هذه الأصول ثم قال: . فأهل السنة هم أصحاب المذاهب الفقهية المعتبرة من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث الذين سلكوا مسلك أئمة هاتين الطريقتين، وكلهم متفقون على قول واحد في الأصول، وأصول اعتقاد أهل السنة مأخوذة أصلا من الصحابة باعتبار أنهم هم الذين تلقوا عقيدة الإسلام من مصدرها الأول وتلقاها عنهم من بعدهم، وأصول اعتقاد أهل السنة في أواخر عصر السلف ومن بعدهم منقولة عن أئمتهم السابقين من أهل الرأي وأهل الحديث الذين تلقوها عمن سبقهم بالنقل عن أئمة الصحابة والتابعين حسب ما هو مقرر في كتب علمائهم، وإنما يظهر الفرق في سبب تأسيس قواعد علم التوحيد ومنهج أئمته في الاستدلال. وطريقة أهل الحديث تعتمد في الاستدلال على الأدلة السمعية أي: النقلية من الكتاب والسنة والإجماع فيما يكون منها دليلا تقوم به حجة لإثبات الحكم، وطريقة أهل النظر والصناعة النظرية، وتعتمد في الاستدلال على الأدلية السمعية والنظرية باعتبار أن الأدلة السمعية هي الأصل، والأدلة العقلية خادمة لها. كان ظهور تلك الفِرق المخالفة لأهل السنة في الأصول وتمايزها وافتراق بعضها عن بعض أدى بواقع الحال إلى وصف أهل السنة في هذه الحالة بأنها فِرقة من ضمن هذه الفِرق، ووصف أهل السنة والجماعة بذلك إنما هو بالنسبة لتعريفهم في مقابل الفِرق المخالفة لهم في الأصول. بعد ذهاب عصر السلف انتقل مذهب أهل السنة والجماعة إلى من بعدهم، واشتهر مذهب أهل السنة والجماعة على طريقة أبي الحسن الأشعري في العراق وخراسان والشام والمغرب والأندلس وغيرها، واشتهر مذهب أهل السنة والجماعة على طريقة أبي منصور الماتريدي في ما وراء النهر وغيرها، واختص جماعة من أهل الحديث بنقل معتقد أهل السنة والجماعة على طريقة الأثرية من أهل الحديث، ثم أصبح لقب أهل السنة والجماعة يطلق على الأشعرية والماتريدية والأثرية من أهل الحديث، باعتبار أن أهل السنة والجماعة من أصحاب الصناعة النظرية هم الأشعرية والماتريدية، حيث قرروا عقيدة أهل السنة والجماعة بطريقة الصناعة النظرية، وأما الأثرية فلم يكونوا أصحاب صناعة نظرية، بل اقتصروا في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة على الطريقة السمعية (الكتاب والسنة والإجماع)، وربما أخذ بعضهم بطريقة المتكلمين من أهل النظر، فأهل السنة والجماعة على اختلاف طرقهم في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة هم مكون واحد متفقون على قول واحد في أصول الدين، وربما اختلفوا في بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا. هناك تسميات متعددة ذكرها العلماء للتعريف بأهل السنة والجماعة، ومهما اختلفت صياغتها في استعمالات العلماء من أهل السنة والجماعة فمردها واحد، والاختلاف في صياغتها خلاف شكلي لا أكثر، وبعد ظهور أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي اشتهر لقب أهل السنة والجماعة على الأشعرية والماتريدية أكثر، قال ابن عابدين في تقرير اعتقاد أهل السنة والجماعة: مما يجب اعتقاده على كل مكلف بلا تقليد لأحد وهو ما عليه أهل السنة والجماعة وهم الأشاعرة والماتريدية، وهم متوافقون إلا في مسائل يسيرة أرجعها بعضهم إلى الخلاف اللفظي كما بين في محله. وذكر غيره مثل هذا، ووجه ذلك: أن الأشعرية والماتريدية عملوا على إثبات عقيدة أئمة أهل السنة بالمناهج الكلامية، وإنما كان اشتهار هذه التسمية باعتبار أن أصحاب الصناعة النظرية من أهل السنة والجماعة دونوا وحققوا أكثر من غيرهم، إذ أن الأثرية لم يكونوا أهل صناعة نظرية، وكان أول من وضع قواعد علم التوحيد على مذهب أهل السنة والجماعة أبو الحسن الأشعري ومن تبعه من بعده، وأبو منصور الماتريدي ومن تبعه من بعده. فلو قلنا مثلا: أجمع جمهور أهل السنة والجماعة على تقديم الشرع على العقل، ومقابل هذا أن المعتزلة بالغوا في تقديس العقل فقدموه على نصوص الشرع بدليل أن بعض المعتزلة كبعض الخوارج أنكروا حد الرجم بحجة أنه مستقبح عقلا، وأنكروا نصوص السنة الثابتة في الرجم، وقام أبو الحسن الأشعري باستخدام البراهين العقلية والحجج الكلامية لإثبات قول أهل السنة والجماعة في مسألة تقديم أدلة الشرع على العقل، والماتريدية فعلوا كذلك، وعلى كل الأحوال فإن الأشعرية والماتريدية والأثرية كلهم متفقون على القول بتقديم الشرع على العقل. كما أنهم ذكروا الفرق الإسلامية وجعلوا منها أهل السنة والجماعة فرقة واحدة، وإنما يكون الخلاف بين أهل السنة والجماعة في الفروع، ومهما كان اختلافهم في فروع الأحكام فلا يحكم بعضهم على بعض بالكفر ولا يصفه بالابتداع، وما قد يقع من خلاف في مسائل العقيدة فهو خلاف شكلي قد يلتبس على العوام، بسبب الحكم على الأشياء من غير استبيان، أو المبالغة في الحكم من غير علم، ومن انتسب إلى أهل السنة والجماعة وخالف إجماعهم فقوله منسوب إليه ومحسوب عليه وحده ومردود عليه، فأهل السنة والجماعة في أصول الاعتقاد مذهب واحد. قال تاج الدين السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب: "اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادي الموصلة لذلك، أو في لِمِّية ما هنالك. وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف الأول: أهل الحديث ومعتمد مباديهم: الأدلة السمعية أعني: الكتاب، والسنة، والإجماع. الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية وهم: الأشعرية، والحنفية. وشيخ الأشعرية: أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية: أبو منصور الماتريدي، وهم متفقون في المبادي العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه، وفي المبادي السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط، والعقلية والسمعية في غيرها، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسألة التكوين ومسألة التقليد. الثالثة: أهل الوجدان والكشف؛ وهم الصوفية، ومباديهم مبادي أهل النظر والحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية". وقد قام الإمام عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق بإحصاء الفرق والطوائف المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة التي ظهرت في تاريخ المسلمين، والتي عاصرها وهي تشتمل على اثنتين وسبعين فرقة منها: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، والنجارية، والبكرية، والضرارية، والجهمية، والكرامية، ثم قال: "فأما الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث دون من يشتري لهو الحديث، وفقهاء هذين الفريقين وقراؤهم ومحدثوهم ومتكلمو أهل الحديث منهم، كلهم متفقون على مقالة واحدة في توحيد الصانع وصفاته، وعدله وحكمته، وفي أسمائه وصفاته، وفي أبواب النبوة والإمامة، وفي أحكام العقبى، وفي سائر أصول الدين. وإنما يختلفون في الحلال والحرام من فروع الأحكام، وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق وهم الفرقة الناجية، ويجمعها الإقرار بتوحيد الصانع وقدم صفاته الأزلية، وإجازة رؤيته من غير تشبيه ولا تعطيل، مع الإقرار بكتب الله ورسله وبتأييد شريعة الإسلام، وإباحة ما أباحه القرآن وتحريم ما حرمه القرآن، مع قيود ما صح من سنة رسول الله، واعتقاد الحشر والنشر، وسؤال الملكين في القبر، والإقرار بالحوض والميزان. فمن قال بهذه الجهة التي ذكرناها ولم يخلط إيمانه بشيء من بدع الخوارج والروافض والقدرية وسائر أهل الأهواء فهو من جملة الفرقة الناجية -إن ختم الله له بها- ودخل في هذه الجملة جمهور الأمة وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي والثوري وأهل الظاهر..." وذكر السفاريني . وقال في كتاب العين والأثر: أهل السنة والجماعة ثلاث طوائف هم الأشاعرة والحنابلة والماتريدية. طريقة الأثرية في مسائل الاعتقاد. الطريقة الأثرية هي التي تستند على الأثر، والأثر في اللغة بقية الشيء، والمأثور ما ينقله خلف عن سلف، والأثرية من أهل الحديث عند علماء الكلام يطلق على العلماء الذين اعتمدوا في مسائل العقيدة على الأثر الذي يقوم على النقل والأخذ بالأدلة السمعية أي: الكتاب والسنة والإجماع، والأثر بمعنى المأثور قد يكون أعم من الحديث، إلا أن المقصود لا يختلف، وأهل السنة والجماعة سواء كانوا من أهل الأثر أو النظر كلهم من أهل الحديث، لكن الفرق في التسمية يظهر في طريقة الاستدلال، وهذا الفرق مهم في التسمية، وذلك أن الأدلة السمعية أساسية في الأحكام الشرعية سواء كانت علمية أو عملية، غير أن الأحكام العملية يكون فيها القياس عند فقد النص، بخلاف الأحكام العلمية (العقيدة) فهي تُؤخذ بالأدلة السمعية عن طريق النقل والنص، ولا مجال فيها للقياس، وقد كان أئمة أهل السنة والجماعة في عصر الصحابة والتابعين يهتمون بنقل علم الشريعة وروايته واستنباط الأحكام الفرعية، وأما الأمور الاعتقادية فكانوا يتلقونها بالمشافهة ولم تكن هي موضع بحثهم واجتهادهم؛ لأنها أمور ثابتة ومقررة متفق عليها، وإنما كانوا يوضحون منها ما هو بحاجة إلى إيضاح وبيان وعند الحاجة لدفع الشبهة، فالأثرية من أهل الحديث اعتمدوا بصفة أساسية على الأدلة السمعية، وأما أهل النظر والصناعة النظرية فجمعوا بين الأدلة السمعية والعقلية معا، ويقصد بهم المتكلمون من فقهاء أهل الرأي أو من فقهاء أهل الحديث. بعد انتشار المعتزلة خلال القرن الثالث الهجري وبحسب ما ذكر ابن خلدون وغيره أن المعتزلة توغلوا في الصفات فأنكروا صفات ثابتة واستخدموا أساليب كلامية لتأييد ما استحدثوه، وكان من السلف جماعة تعلقوا بظواهر نصوص متشابهة وبالغوا في إثبات الصفات فوقعوا في التجسيم الصريح المناقض للتنزيه، وأما السلف الذين أخذوا بمنهج المتقدمين عليهم من أهل الحديث وسلكوا مسلك السلامة فقالوا في النصوص المتشابهة: نؤمن بها ولا نتعرض لتأويلها، قال الشهرستاني: . والسلف من أهل الحديث لما رأوا توغل المعتزلة في علم الكلام ومخالفة السنة التي عهدوها من الأئمة الراشدين؛ تحيروا في تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في النصوص المتشابهات، قال الشهرستاني: طريقة أهل النظر. الطريقة النظرية بمعنى: الاستدلال العقلي والصناعة الفكرية القائمة على أسس منهجية، والمقصود بذلك على وجه الخصوص هو طريقة المتكلمين من أهل السنة لإثبات العقائد الدينية بالأدلة العقلية والنقلية، بناء على أن العقل يؤكد النقل ولا تعارض بينهما، وفي مواضع كثيرة من القرآن يُذكر التأمل والتفكر والتدبر والتعقل وإعمال العقل والاستدلال بالعقل، وأن التفكر في المخلوقات يدل على الخالق، ومن ذلك خطاب عَبَدة الأوثان ومنكري البعث وغيرهم بعبارات ترشدهم للتفكر في بطلان ما اعتقدوه، والحال أنهم لما كانوا لا يؤمنون بنصوص الشرع ذكر لهم أدلة عقلية في سياق النص الشرعي، وقد ذكر ابن خلدون في العبر: أن أمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية وهي معلومة ومقررة عند الأئمة من السلف وحققها الأئمة من بعدهم إلا أنه عرض بعد ذلك خلاف في تفاصيل هذه العقائد أكثر مثارها من الآي المتشابهة فدعا ذلك إلى الخصام والنظر والاستدلال بالعقل وزيادة إلى النقل فحدث بذلك علم الكلام. بعد سنة مائتين للهجرة ظهر جماعة من السلف بالغوا في إثبات الصفات فوقعوا في التجسم، وخالفوا أئمة السلف المتقدمين عليهم الذين ءامنوا بما ثبت من النصوص الموهمة للتشبيه ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل، ولا تعرضوا لتأويلها ولا تفسيرها لجواز أن تكون ابتلاء فيجب الوقف والإذعان له، وقد وصفهم ابن خلدون بأنهم مبتدعة شذوا بما استحدثوه واتبعوا ما تشابه من الآيات وتوغلوا في التشبيه عملا بظواهر وردت بذلك فوقعوا في التجسيم الصريح ومخالفة آي التنزيه المطلق التي هي أكثر موارد الشرع. ثم لما كثرت العلوم وألف المتكلمون في التنزيه حدثت بدعة المعتزلة في تعميم هذا التنزيه في آي السلوب فقضوا بنفي صفات المعاني.. قال: ، وذكر أنه كثر أتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري واقتفى طريقته من بعده تلاميذه كابن مجاهد وغيره وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره. وتضمن كلام ابن خلدون بيان السبب المباشر لنشأة علم الكلام على مذهب أهل السنة حيث صاغه أبو الحسن الأشعري وتبعه أصحابه من بعده، وهو علم يقوم على أساس إثبات العقائد الدينية بأدلة العقل والنقل، وكان أبو الحسن الأشعري من فقهاء أهل الحديث، وبنى طريقته على منهج العقل والنقل على أنه لا تعارض بين العقل والنقل. من جهة أخرى فقد كان هناك عمل مماثل لعمل أبي الحسن الأشعري، قام به أبو منصور الماتريدي (المتوفى سنة: 333 هـ) كان من علماء المذهب الحنفي في بلاد ما وراء النهر، وكان ذلك بسبب انتشار مقولات المعتزلة والمشبهة وغيرهما في أواخر عصر السلف، وقد صنف أبو منصور مؤلفات في المقالات وفي الأصول وفي الرد على المعتزلة والقرامطة والروافض، مات بسمرقند سنة: ثلاث وثلاثين وثلاثمائة هجرية. والذي قام به أبو الحسن الأشعري (المتوفى سنة 324 هـ)، وأبو منصور الماتريدي (المتوفى سنة 333 هـ) هو أخذ أقول الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين وإيضاحها وتأييدها بزيادة وشرح وتبيين، وتأسيس المنهج النظري وقواعد الاستدلال العقلي لإثبات العقائد الدينية بالطرق السمعية والنظرية معا، أي: بالأدلة النقلية والعقلية، ودفع الشبهات عنها، حيث قاما بصياغة هذا المنهج على طريقة أهل السنة والجماعة هما وأصحابهما من بعدهما، وصار هذا المنهج علما مستقلا يسمى علم الكلام، وكان الغرض منه إيضاح عقيدة أهل السنة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم من الأئمة وتأييدها بالأدلة، بسبب انتشار بدعة المعتزلة والمجسمة وغيرها من الفرق المخالفة لأهل السنة، وصارت سمة أهل النظر والصناعة النظرية عند أهل السنة والجماعة تُطلق على الأشاعرة نسبة إلى إمامهم أبي الحسن الأشعري، والماتريدية نسبة إلى إمامهم أبي منصور الماتريدي.قال عبد القادر بن أبي الوفاء القرشي (المتوفى: 775 هـ) في كتابه: الجواهر المضية في طبقات الحنفية: . لا خلاف أن أئمة السلف استخدموا البرهنة العقلية، ومن أمثلة ذلك ما ذكره أبو عبد الرحمن الأذرمي في مجلس الواثق، حتى ظهر في عصر السلف جماعة أيدوا عقائد أهل السنة والجماعة بحجج كلامية وبراهين أصولية ودونوا في ذلك، قال الشهرستاني في الملل والنحل: . واستخدام الطرق الكلامية عند أهل السنة والجماعة لا يعد مذموما لذاته إذ أنه طريقة استدلالية، وإنما قد يكون مذموما لاعتبارات أخرى، وذلك أن ما يُؤْثَر عن السلف من ذم الكلام فيما سكت عنه الصحابة، وفيما يستخدم منه للجدل والمراء، فأهل السنة والجماعة إنما استخدموه عند انتشار أهل الأهواء من أجل إِبطال شُبههم وبيان الحق لا ليعد مهنة للجدل والتشويش على العامة، وقد ذكر المؤرخ ابن خلدون أن نشأة علم الكلام كانت بسبب حدوث بدعة المعتزلة والمشبهة وغيرها، وذكر أنه غير ضروري لهذا العهد، أي: الفترة التي عاشها في القرن الثامن الهجري، وذكر أن الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا، والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم فيما كتبوا ودونوا، والأدلة العقلية إنما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا، وأما الآن فلم يبق منها إلا كلام تنزه البارئ عن كثير إيهاماته وإطلاقه. وقد انقرضت تلك الفرق فلا حاجة للكلام فيما هو غائب عن أذهان الناس، لكن إمكان ظهور أهل الأهواء يستلزم أن يكون من بين علماء الدين في كل عصر متمرس في علم الكلام إذا كانت له معرفة واسعة بعلوم الشريعة، فالمتكلم الذي لا علم له في الدين واقع في الخطأ لا محالة، ولو قرأنا تاريخ أهل السنة والجماعة لوجدنا المتكلمين منهم علماء في الدين من أهل الحديث والفقه وعلم الشريعة، كما أنه لا يلزم كل فرد تعلم علم الكلام بل هو مخصوص ببعض أفراد من أهل العلم في الدين في كل زمان للرد على أهل الأهواء، قال ابن خلدون: . وأيضا نجد بعضهم اشتهر بالكلام وبعضهم لم يشتهر به، وسبب ذلك يرجع إلى قاعدة عندهم فسرها أبو حامد الغزالي بالقول: أن مثل علم الكلام مثل الدواء الخطر الذي يحتاج لطبيب ماهر، لا يُستخدم إلا عند الحاجة، أي: أن الصحيح لا حاجة له إلى الدواء، بل ربما يضره تناول الدواء، وشبَّهه في موضع آخر بالسلاح فلا يُستخدم إلا عند الحاجة. تصدر الأشاعرة والماتريدية للرد على الفرق الضالة والطوائف المنحرفة، ويعدون هم وأهل الطريقة الأثرية مكون واحد هم سواد علماء أهل السنة والجماعة الأعظم في علم التفسير وعلم الحديث وفي شتى تخصصات العلم الشرعي. قال بدر الدين الزركشي في كتابه «البحر المحيط»: . علم السلوك. علم السلوك أو علم التصوف، من العلوم الشرعية، منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى المعرفة بالله والعلم به، والتحقق بمقام الإحسان، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة، والزهد في الدنيا وأصله أن هذه الطريقة لم تزل طريقة الحق والهداية عند كبار الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة، وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة. طريقة التصوف منهج السلوك، والمريد هو السالك في الطريقة، ويحتاج في علمه بالطريقة إلى المربي وهو الذي يقود السالك ويرشده إلى السلوك القويم حتى يتمكن من سلوك الطريق، ويترقى في مراقي العبودية بازدياد الإيمان بفعل الطاعات وترك المنهيات، والترقي في مراتب الإحسان بالتقرب إلى الله بالنوافل بعد فعل الفروض والواجبات، والانفراد عن الخلق والإقبال على العبادة ومحاسبة النفس ومعالجة القصور ومجاهدة النفس، حتى ينشأ في كل مجاهدة وعبادة حال يترقى فيها من حال إلى حال، وأصلها كلها الطاعة والإخلاص ويتقدمها الإيمان ويصاحبها، وتنشأ عنها الأحوال، والصفات نتائج وثمرات، ثم تنشأ عنها أخرى وأخرى إلى مقام التوحيد والعرفان، ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة. ولهم مع ذلك آداب مخصوصة بهم واصطلاحات في ألفاظ تدور بينهم، وقد صار علم الشريعة على صنفين صنف مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا، وصنف مخصوص بأهل التصوف في القيام بهذه المجاهدة ومحاسبة النفس عليها والكلام في الأذواق والمواجد العارضة في طريقها وكيفية الترقي منها من ذوق إلى ذوق وشرح الاصطلاحات التي تدور بينهم في ذلك. قال ابن خلدون: . وقد عد بعض علماء السنة بعض أساليب التصوف من الأمور المخالفة للسنة، مثل الامتناع عن الطعام قال القرطبي: ، وأما الرقص والتصفيق فهو منسوب إلى من يفعله لا إلى هذا العلم، قال العز بن عبد السلام: . وأهل التصوف بعد عصر السلف الصالح في أصول الاعتقاد يأخذون بمذهب أهل السنة والجماعة على طريقة الأشعرية والماتريدية، ويأخذون بأحد المذاهب الفقهية السنيّة الأربعة، ويأخذون بالكشف والإلهام، وقد تنوعت الطرق التي يسلكها المربون في تربيتهم لمريديهم فنشأ عنها ما عرف بـ "الطرق الصوفية"، أشهرها عند أهل السنة: الفتوحات الإسلامية أو فتوح المسلمين وفي بعض المصادر ذات الصبغة القومية الفتوحات العربية هي عدة حروب خاضها المسلمون بعد وفاة الرسول محمد ضد بيزنطة والفرس والبربر والقوط في السنوات ما بين (632–732) في العهدين الراشدي والأموي، كان من نتائج الغزوات سقوط مملكة الفرس وفقدان البيزنطيين لإقاليمهم في الشام وشمال أفريقيا ومصر نشر الإسلام ونشر اللغة العربية معه ومن ثم ظهور الحضارة الإسلامية. تاريخ. بعد وفاة الرسول في المدينة اُختير أبو بكر خلفاً له وحارب قبائل العرب في ما يسمى حروب الردة وبعدها استولى المسلمون على بلاد الروم البيزنطيين والفرس الساسانيين. فسيطروا على الشام ومصر والعراق وفارس. ولقد ظلت الخلافة الراشدة ثلاثين عاما (632 – 661 م). وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب أقيمت أول المدن الإسلامية كـ كالكوفة والفسطاط ومدن إسلامية عديدة. وقد فتح الأمويين سجستان بما يعرف فتح سجستان تأسست الدولة الأموية (661 - 750 م) وكانت عاصمتها دمشق وحكمت حوالي قرن. وكانت تمتد من غربي الصين إلى جنوب فرنسا حيث كانت الغزوات الإسلامية وقتئذ تمتد من شمال أفريقيا إلى إسبانيا وجنوب فرنسا غرب أوروبا, وبالسند وسط آسيا وفيما وراء نهري جيحون وسيحون. وأقيمت المؤسسات الإسلامية والمساجد والمكتبات في كل المناطق التي غزاها الأمويون. وحاول الأمويون بدمشق فتح مدينة القسطنطينية عام 717م. وإبان حكمهم فتحوا جميع بلاد شمال أفريقيا. وكان أول نزول لقوات إسلامية في عصر الدولة الأموية وضمت أرض الأندلس بشبه جزيرة إيبيريا (أسبانيا والبرتغال). فكان أول انتصار للمسلمين هناك عام 92 هجرية (711 م) في معركة وادي البرباط, لتبدأ مسيرة الفتوحات الإسلامية بجنوب إيطاليا وصقلية. فلقد بلغت الجيوش الإسلامية برنديزي والبندقية بإيطاليا على البحر الأدرياتيكي. وخضعت كل جزر البحر الأبيض المتوسط من إقريطش شرقا حتى قورشقة غربا للحكم الإسلامي . وكانت الخلافة الأموية الثانية بالأندلس 756 – 1031 م عاصمتها قرطبة التي شيدها الأمويون على غرار عاصمتهم دمشق. وكانت أكبر مدينة في أوروبا. وحكموا الأندلس زهاء ثمانية قرون حتى قسمتها التناحرات السياسية بين العائلات الحاكمة لدويلات أدت إلى سقوط الحكم الإسلامي. ولاسيما بعد سقوط مملكة غرناطة بيد الملوك الكاثوليك عام 1492 م فريناندو وإيزابيلا. وعندما كانت الحضارة الأندلسية في عنفوانها، كانت موقعة بواتييه (بلاط الشهداء) قرب تولوز بوسط فرنسا قدأوقفت المد الإسلامي الكاسح لشمالها. حيث لم ينتصر عبد الرحمن الغافقي على الفرنجة عام 114 هجرية (732 م) عندما قتل بها في معركة بلاط الشهداء. لكنهم رغم هذه الهزيمة، واصلوا فتوحاتهم حتي أصبحت تولوز وليون ونهر اللوار تحت السيادة الإسلامية ولكن كان فتحهم لتولوز لفترة قصيرة تبلغ ثلاثة أشهر نجح بعدها الدوق أودو (الذي يعرف بيودس) الذي ترك المدينة للبحث عن المساعدة من العودة مع جيش لينتصر على الجيوش الإسلامية في معركة تولوز في 9 يونيو، 721. وكان المسلمون قد بلغوا نهر السين وبوردو وجنوب إيطاليا (أطلقوا عليه البر الطويل). وما بين سنتي 910 و1171 م، وكان ظهور السلاجقة في المشرق والفاطميّون بالقاهرة والأيوبيّين والمماليك في الشام ومصر. وكانت الحملات الصليبية على سوريا وفلسطين ومصر والسيطرة على القدس. وفي عام1187م تمكن صلاح الدين من السيطرة على القدس وانتزاعها من الصليبيين. وكان إحراق المغول التتار لبغداد عام 1258 م بعدما كانت عاصمة الخلافة العباسية خمسة قرون.وكانوا وثنيين. لكنهم أسلموا عند عودتهم. فكانوا للإسلام داعين ومبشرين له بين قبائلهم. وأقاموا تحت ظلاله الإمبراطوريات والممالك الإسلامية بأفغانستان وباكستان وشبه القارة الهندية وبالملتان والبنغال وآسيا الوسطي وأذربيجان والقوقاز والشيشان وفارس وغيرها من بلدان المشرق الإسلامي. حيث أقاموا الحضارة الإسلامية المغولية والتركية التي ما زال أوابدها ماثلة حتي اليوم. وكان تيمورلنك قد أقام الإمبراطورية التيمورية عام(1379 - 1401 م) وكانت العاصمة سمرقند بوسط آسيا. وقد حكم إيران والعراق والشام وحتى الهند. وكانت وقتئذ طرق القوافل التجارية العالمية تحت سيطرة المسلمين. سواء طريق الحرير الشهير أو تجارة المحيط الهندي بين الشرق الأقصى وشرق أفريقيا. وكان السقوط الأخير للقسطنطينية(عام 1453 م), عاصمة الإمبراطورية البيزنطية(الروم). وكان هذا السقوط علي يد محمد الفاتح العثماني. وأطلق عليها إسلام بول (إستانبول) بعدما جعلها عاصمة للخلافة العثمانية (الدولة العثمانية) (1350 - 1924 م). وكان لسقوط القسطنطينية صداه في العالم الإسلامي كله حيث أقيمت الزينات بدمشق والقاهرة وشمال أفريقيا لأن هذا النصر كان نهاية للكنيسة الشرقية ولاسيما بعد تحويل مقرها إلي أيا صوفيا. ثم أستطاع العثمانيون غزو رومانيا والصرب والبوسنة والهرسك والمجر وألبانيا واليونان وجورجيا (بلاد الكرج) وكرواتيا وأجزاء شاسعة من روسيا (القوقاز) وأوكرانيا (القرم).ولقد حاصروا فيينا قلب أوروبا المسيحية ثلاث مرات أيضا. وحشد البابا في الفاتيكان قوات أوروبا لوقف الزحف الإسلامي وأستطاع أن يرد العثمانين بعد بقائهم لمدة شهرين فقط في معركة فيينا في 1683. ومن بعدها كان خبز الكرواسون ومعناه الهلال (بالفرنسية) يصنع على هيئة الهلال ليأكله الأوربيون في أعيادهم للاحتفال بالانتصار على العثمانيين الذي كان علمهم يحتوي على هلال وكل هذا فضلا عن بلوغ التتار المسلمين القوة التي مكنتهم من محاصرة موسكو وغزوها لولا ان قبل اهلها بدفه الجزية للتار المسلمين. في ظلال الحكم الإسلامي ظهرت مدن تاريخية منها ماهو كان قائم وازدهر ومن ما هو جديد كالكوفة وحلب وحمص والبصرة ودمشق وبغداد والرافقة الرقة والفسطاط والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وقرطلة وغيرها. وقد خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإستانبول بمساجدها ودمشق بعمائرها الإسلامية والقاهرة وحلب والمهدية والقيروان بتونس وبخاري وسمرقند وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية. تعاليم الأسلام في الفتح. تقضي تعاليم الإسلام بأنه إذا أراد المسلمون غزو بلد وجب عليهم أولاً أن يدعوا أهله إلى الدخول في الإسلام، فأن أسلموا كانوا هم وسائر المسلمين سواء، وإن لم يسلموا دعوهم إلى أن يُسلّموا بلادهم للمسلمين يحكمونها، ويبقوا على دينهم إن شاءوا ويدفعوا الجزية، فإن قبلوا ذلك كانوا هم والمسلمين سواء، وكانوا في ذمة المسلمين يحمونهم ويدافعون عنهم، ومن أجل هذا يُسمون"أهل الذمَّة"، وإن لم يقبلوا الإسلام ولا الدخول تحت حكمه ولا دفع الجزية أُعلنت عليهم الحرب وقوتلوا، وفي أثناء القتال يحل للمسلمين أن يقتلوا المحاربين، فأما المرأة والطفل والشيخ الفاني والمقعد ونحوهم فلا يجوز قتلهم، فأما الأسرى فقد ورد فيهم القرآن (حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً)، والفقهاء يختلفون في حكم الأسرى؛ وهذه الأمور متروكة للإمام يتصرف في كل حالة حسب ما يحيط بها من ظروف مشددة أو مخففة، وإذا استرق الأسرى أو أهل البلد المفتوح وزعت توزيع الغنائم، فتُخمَّس، ومعنى ذلك أن يعطى خمسها لليتامى والمساكين وابن السبيل، وأربعة الأخماس تعطى للغانمين: للراجل سهم وللفارس سهمان. وكان الفتح الأسلامي يستتبع رقَّاً، وهذا الرق كان له أثر في عملية المزج بين الأمم . تأثير الرق في المزج بين الأمم في البلاد المفتوحة. كان الرق نظاماً شائعاً في العالم، وكان العرب في جاهليتهم يغزو بعضهم بعضا، فيكونون أرقاء، وكان لهم أسواق يُباع فيها الرقيق؛ وكثير من الصحابة جرى عليهم الرق كبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي. ولما انتشر الإسلام لم يعد. يُقبل من العرب إلا الإسلام أو القتال، ولما كثرت الفتوح كثر الأسترقاق من الأمم المفتوحة، وقد أوجب الإسلام حسن معاملة الرقيق، وحبب إلى المالك العتق، وجعله كفارة عن كثير من الجرائم. لكن تبقى هناك صلة بين المعتِق والمعتَق تسمى "الولاء" وهناك نوع آخر من الولاء وسببه إن يسلم رجل على يد رجل آخر. فنتج من هذا أن البيت العربي دخلت فيه عناصر أخرى فارسية أو رومانية أو سورية أو مصرية، فصار البيت العربي مختلطاً، هؤلاء الأرقاء والموالي أنتجوا في الجيل الثاني لعهد الفتح عدداً منهم من يُعدّ من سادات التابعين، وخير المسلمين. دخول البلاد المفتوحة في الإسلام. دخل في الإسلام كثير من أهل البلاد المفتوحة، وامتزجوا بالعرب كأنهم منهم، وقد كان الباعث للناس على الدخول في الإسلام مختلفا، فمنهم من دخل فيه مؤمناً بحسن مبادئه وصدقها، وساعد على ذلك بساطة العقيدة الأسلامية وسهولة فهمها، ومنهم من دخل فيه فرارا من الجزية، ومنهم من كان يسلم فرارا لما يشعر به من المهانة، فالإسلام هو الدين الذي يعتَز من انتسب إليه. الاختلاط في السكنى. بعد الفتح صارت البلاد مسكونة بالفاتحين والمفتوحين جميعا، فكان هذا عامل من عوامل المزج، وسائر البلاد أصبح فيها العنصر العربي والاجنبي ممتزجين تمام الامتزاج، في فارس والشام ومصر والمغرب، حتى جزيرة العرب نفسها لم تعد جزيرة العرب بل صارت جزيرة المسلمين جميعا؛ فقد كانت "المدينة" مقر الخلافة في عهد الفتوح الكبرى أضف إلى هذا أن مكة والمدينة كانت مقصد الحجاج والزائرين من الداخلين في الإسلام من بقاع الأرض وهكذا جعل جزيرة العرب شائعة بين المسلمين، وشأنها في ذلك شأن الممالك الأخرى المفتوحة . كل هذه العوامل كان لها الأثر في الامتزاج وقانون الفرس والروم امتزجا بالأحكام التي أوضحها القرآن والسنة، وكانت الأمم المفتوحة أرقى من العرب مدنية وحظارة وكان العرب هم العنصر القوي الفاتح فسادت في البلاد المفتوحة النظم التي كانت متبعة من قبل الفتح، كنظام الدواوين ونحوه، وكذلك كانت النظم السياسية متضاربة: فرس لهم نظام وروم لهم نظام مغاير، ولغة عربية وفارسية وقبطية ويونانية وعبرية؛ والعرب انتصروا في شيئين عظيمين: اللغة والدين؛ فقل من بقي من سكان هذه البلاد على دينه الأصلي. أشهر الامصار التي أنتشر فيها الإسلام. الأمصار التي فتحها المسلمون لم يكن الفتح الإسلامي سلباً ونهبا وتدميراً وإنما كان فتحاً منظماً يسير فيه القُرّاء والقانونيون والمعلمون مع الجند الفاتحين. وكانت الفتوحات سبباً في نشر الإسلام لأن القواد العرب كانوا يقيمون المساجد في بعض المدن الكبيرة. العراق. هو الجزء الجنوبي من وادي دجلة والفرات، تعاقبت فيه الأمم المتحضرة كالبالبليون والآشوريون والكلدانيون والفرس واليونان، كان أكثر سكان العراق من الفرس،. وكان الموالي هم القائمين بالحرف والصناعات والتجارة أما العنصر السائد المشرف على الأمر هم العرب. والعرب فيه أقلية، كقبيلة بكر وربيعة في المناذرة، واليمنيون والنزاريون في البصرة والكوفة. فإذا قيل العراق معناه البصرة والكوفة. أما الكوفة وأشهر علماؤها :الشعبي والنخعي وأبو حنيفة النعمان وأما البصرة وأشهر من خرجت من العلماء في العصر الأموي هم الحسن البصري وابن سيرين و"جماعة أخوان الصفا" أما في بغداد فهي حاظرة العلم في حينها وأهم ما حوته هو "بيت الحكمة" التي أنشأها هارون الرشيد، وأصبحت بغداد أهم مركز للحضارة والثقافة في المملكة الإسلامية، بل في العالم كله فقد كان يسكن العراق أمم مختلفة، وكان يسكنه قبيل الفتح الإسلامي بقايا من الكلدان والسريان، والعرب من اياد وربيعة، وكانت مدنية الفرس غالبة عليه، وأخذ طائفة من الكتبة ينقلون الثقافة الاسلامية من والى الفرس منهم. وهكذا تمتزج في العراق كل الثقافات، وتعرض كل الآداب. الكوفة. وقد نزل بالكوفة كثير من أصحاب رسول الله كعلي بن ابي طالب وبن مسعود وكان سادس من أسلم لرسول الله وشغف بالقرآن يحفظه ويتفهمه؛ وقد بعثه عمر بن الخطاب إلى اهل الكوفة يعلمهن، فأخذ عزن كثير من الكوفيين، وكان يعلم الناس القرآن ويروي أحاديث سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . البصرة. وكذلك نزل باابصرة عدد كبير من الصحابة، أشهرهم أبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك. وكان أبو موسى يعد من أعلم الصحابة، وقدم البصرة وعلًم بها فقد كان فقيها ومدًثا وأما أنس بن مالك فقد نزل باابصرة وعمر فيها طويلاً، وتوفي سنة ٩٢ه، وتبعهم الحسن البصري وابن سيرين، فأبو الحسن كان مولي لزيد وسيرين أبو محمد كان مولى لانس بن مالك. وذهب بعضهم إلى التدوين للعلوم والأخبار منذ منتصف القرن الثاني للهجرة، في كثير من البلدان ك Ayaa , [١٩.٠٢.٢١ ١٤:٥٥] اليمن والحيرة، وقليلا في الحجاز، فالحميريون دونوا كثير من أخبارهم وحوادثهم، ونقشوها على الأحجار، وأتخذ الرسول كتبة للوحي، فكانوا يكتبون على الرًقاع والأضلاع وسعف النخل ثم جمعت في عهد أبي بكر، أي أن التدوين لم ينشأ في العصر العباسي وإنما قبل ذلك بكثير ولكن ما كُتبَ في عصر الامويين لم يصل منه إلى أيدينا إلا القليل. مصر. أصبحت مصر منذ دخول العرب اليها مركزا في المملكة الإسلامية وكان من الصحابة الذين نزلوا بمصر عبد الله بن عمرو بن العاص وكان أشهر الناس حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخذ عنه كثير من أهل مصر، واشتهر بعد الصحابة يزيد بن أبي حبيب، وقال عنه الكندي:إنه أول من نشر العلم في مصرفي الحلال والحرام ومسائل الفقه. أصبحت مصر منذ دخول العرب اليها مركزا في المملكة الإسلامية وكان من الصحابة الذين نزلوا بمصر عبد الله بن عمرو بن العاص وكان أشهر الناس حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخذ عنه كثير من أهل مصر، واشتهر بعد الصحابة يزيد بن أبي حبيب، وقال عنه الكندي:إنه أول من نشر العلم في مصرفي الحلال والحرام ومسائل الفقه. فتح المسلمون مصر والثقافة اليونانية والرومانية منتشرة فيها، وأقبل العرب عليها لغناها ودخل كثير من القبط في الأسلام، واختلطت أنساب العرب بأنساب المصريين. فأصبحت مركزاً علميا في المملكة الإسلامية كما هي مركز سياسي ونواة هذه الحركة هم الصحابة الذين جاؤوا لفتح مصر واستوطنوها. وكان بها ناحية علمية هي إمتداد مدرسة الأسكندرية قبل الفتح وحركة لاهوتية طبية فلسفية تُعنى باللغة السريانية. وقد كان قبيل الفتح مكتبات كثيرة، مثل مكتبة الإسكندرية، وحركة دينية كبيرة تدرس القرآن والحديث، أما ثقافة الشعب في القرى والبلدان فهي على النمط القبطي قبل الفتح حتى أُخمدت ثورة القبط وانتشر المسلمون في البلاد عقب 216 هجرية حملوا ثقافتهم الدينية ونشروها في أنحاء القطر. ومن أعلامها "ابن هشام" صاحب السيرة المنسوبة إليه، وأزدهرت الحركة في مصر خلال العهد الطولوني. ○الشام. تعاقبت عليه المدنيات المختلفة كفينيقيون وكلدانيون ومصريون وعبريون ويونانيون ورمانيون، واشتهر فيه كثير من المدن، كصُور وأنطاكية وبيروت ودمشق؛ وإمارة الغساسنة التي أنشأها العرب. وقد فتح الأسلام هذه البلاد ونشر لغته وتعاليمه بها، فأخذ أهلها يتعلمون لغة العرب مع لغتهم الآرامية أو اليونانية؛ وأخذ الأسلام يحل محل النصرانية واليهودية، وقامت المساجد بجانب الكنائس. وأصبحت هي مركز الخلافة في عهد الدولة الأموية. ويذهب بعض الباحثين مثل "جولدزيهر" والمستشرق"سانتلانا" إلى إن الفقه الإسلامي تأثر كثيراً بالقانون الروماني، فقد كانت في الشام مدارس للقانون الروماني عند الفتح الإسلامي واستمرت هذه المحاكم في البلاد بعد الإسلام زمناً طويلاً. وكان بها حركة علمية تتدارس القرآن والحديث ونواتها علماء الصحابة الذين دخلوا الشام عند الفتح. وحركة أدبية من نثر وشعر لقربها من الجزيرة العربية. وأصبحت حاضرة الدولة الإسلامية في العهد الأموي. وأشهر من نبغ منهم عبد الحميد الكاتب. بلاد المغرب. كان العرب يطلقون عللى سكانها البربر وتم فتحها من 26هجرية 81 هجرية. وبذلوا في ذلك ضحايا كثيرة. وهي تشمل المملكة الأفريقية والمغرب الأدنى والمغرب الأوسط ، ثم جاءت الدولة الفاطمية وكان منشؤها المغرب، فبسطت سلطانها على جميع بلاد المغرب، من حدود مصر إلى المحيط الأطلنطي، وتوالى عليهم أمراء عظام عملوا نشر الأسلام بين سكان المغرب كحسان بن النعمان الغساني هو الذي دون الدواوين باللغة العربية في عهد عبد الملك بن مروان ، وموسى بن نصير الذي أمر بتعليمهم القرآن واللغة . وقد أخذ أهل المغرب بمذهب ابي حنيفة في الأصول والفروع ، وكانت اسباب انتشار الأسلام الأخرى بينهم هي التجارة والمعاملات واختلاط العرب المسلمين بأهلها ووقوعها بين مصر والأندلس، واشتهرت بتقدمها في العلم والأدب والحضارة كالقيروان التي أسسها"عقبة بن نافع "وبنى فيها "المسجد الجامع"، والمهدية التي أختطها المهدي رأس الفاطميين، وفاس. وأشتهرت هذه المدن بالعناية بالحديث والفقه وخاصة الفقه المالكي كأسد بن الفرات ومن أشهر ملوكهم المعز بن باديس. وفتحوا صقلية وسرعان ما انتشر فيها الدين والعلم واللغة العربية حتى أصبح أكثر أهلها مسلمين وبنوا فيها المساجد والجوامع. فتح الأندلس. في سنة 91هجرية أُرسل موسى بن نصير عاملاً على أفريقيا وعزم على فتح الأندلس، وكان أبرز قادة الفتح "طارق بن زياد" وأسباب إنتصار العرب المسلمين في الفتح يعود لحسن سمعتهم وشجاعتهم وإستماتهم في نشر الدعوة. وقد سادت في الأندلس العناصر التالية: العرب والبربر و"الأسبان" وهم مسحيون كاثوليك، والمسلمون المولّدون من تزاوج العرب بالبربر. وبقيت الأندلس ولاية تابعة للخلافة الأموية قي دمشق، ثم تولى زمام الأمور فيها"عبد الرحمن الداخل" الذي أسس دولة متينة الأركان، ومن بعده عبد الرحمن الناصر الذي حكم خمسين سنة، وكان أعظم الأمويين في أسبانيا، حيث أزدهرت الحضارة الأندلسية في عهده وفاقت قرطبة كثيراً من مدن أوروبا، وقد تغلب العرب والبربر الفاتحين على الإسبانيين، وبدخول العرب والمغاربة فيها باتت مسكن كثير من الأوربيين والآسيويين، ولم يتغلبوا بالسيف وحده، بل تغلبوا أيضاً بروحهم ولغتهم ودينهم، حتى دخل كثير من الإسبانيين في الإسلام، إضف إلى ذلك التأثر الذي أحدثته فلسفة ابن رشد لدى أوروبا كان عن طريق الأندلسيين. كانت للأندلسيين صفات خاصة كعلوَّ الهمَّة والرغبة في العلم والرغبة في التفوق والذكاء . وأبرز من رحل اليها من العلماء "أبو علي القالي" الذي ينشر العلم في الإندلس فكان هو أول من وضع أساساً للثقالة المشرقية في الأندلس في اللغة والأدب. وعاشت الحضارة الأندلسية زهاء ثمانية قرون وأثرت بقوة من خلال الإحتكاك بين الشرق والغرب، نشأ التصوف في الأندلس في القرن الثاني بعد الفتح الإسلامي، الذي كان مزيجاً من تعاليم الإسلام وتعاليم الأفلاطونية واليونانية، وأبرز أئمة التصوف الأندلسيين هو محي الدين بن عربي الذي نشر تصوفه في الشرق والغرب، ولا يكاد يخلو عصر من عصور الإندلس من الصوفية. ومنهم من رحل لتعلم الفقه والنحو والتفسير والحديث، حتى تكونت لديهم طبقة من العلماء والمحدثين كأبن القوطي، وابن حزم، وابن عبد ربه وابن مالك صاحب الألفية وعبد الملك بن حبيب السُّلمي .وجمع الكتب من أهم وسائل الحركة العلمية في الأندلس، وبالحج وما كان يكثر التلاقي فيه والحديث عن العلم والأدب والكتب وتبادل كل ذلك.وقد تدين الأنلدلسيون بمذهب الأوزاعيَّ، والإمام مالك. وقد عنوا بتفسير القرآن كالقرطبي والشاطبي الذي أخذ عن الإمام الشافعي. الفتوحات الإسلامية للبلاد الأعجمية وأثرها على المسلمين. الفرس وأثرهم. أصبحت فارس ولاية إسلامية ووقع كثير منهم أسرى في أيدي العرب ودخل كثير من الفرس في الإسلام، وتعلم كثير منهم العربية، ففهموا الإسلام بالقدر الذي يسمح به دين قديم اعتنقه قومه أجيالا، كان من أثر ذلك طبيعيا أن تدخل في الإسلام تعاليم جديدة، ونزعات دينية جديدة، ظهر أثرها فيما بعد، وأضهرها في الإسلام التشيع والتصوف. وتأثر المسلمون كذلك بالأدب الفارسي أكثر من تأثرهم بالفلسفة اليونانية؛ لأنه أقرب إلى العقل العربي؛ مثل كتاب "الادب الصغير والأدب الكبير" لابن المقفع والعيون والأخبار لأبن قتيبة، والتاج والعقد الفريد. وأخذ العرب كثيرا من النغمات الفارسية، ومجالس الغناء والاجتماع لسماعه، الديانة الزردشتية كانت هي الديانة السائدة في فارس وما حولها في عهد الكيانيين إلى ان انتصر الاسكندر 331 ق.م ثم إنتعشت في عهد الاسرة الساسانية سنة 226م وظلت هي ديانة الفرس إلى الفتح الإسلامي فاعتنق كثير منهم الإسلام . ومن المذاهب الأخرى التي كانت موجودة هي المانوية التي كانت تمزج بين الديانة النصرانية والزردشتية، وكانت هنالك ايضا الديانة المزدكية التي كان مؤسسها يشتهر بتعاليمه الاشتراكية، وقد عاملهم المسلمون في الفتح معاملة أهل الكتاب، وعدوا كتابهم كأنه كتاب منزّل . وقد وصل إلى المسلمين في العصور الأولى الأسلامية كتب فارسية كثيرة؛ وإن كثير من الشعراء والأدباء كانوا ينزلون فارس ويخالطون أهله، فكان لها الأثر في شاعريتهم، فقد نزل العراق كالأمام أبو حنيفة النعمان، وحمّاد الرّاوية جامع المعلقات وسيبويه والكسائي وأبو العتاهية وجرير والفرزدق والبلاذري وابن قتيبة المؤرخ كل هؤلاء كان لهم أثرٌ كبير في الثقافة العربية الإسلامية.وقد إنتشرت الثقافة الفارسية في العصر العباسي إنتشاراً عظيماً، لأن أكثر الوزراء في العراق كانوا فرساً فنشروا الثقافة العامَّة، وضمَّوا إلى الآداب العربية الآداب الفارسّية، كالألفاظ اللغوية التي تسربتْ إلى اللغة العربية وحكمة وشعراً ونثراً فيها العنصر الفارسي واضحٌ جليٌّ. التأثير الروماني-اليوناني. إن الفتح الإسلامي الثقافة اليونانية والرومانية التي كانت منتشرة في مصر والشام والعراق أصابتها دهشة الفتح وخضعت لقوة الحركة الدينية، فلما هدأت النفوس أخذت هذه الثقافة تستعيد نشاطها بعد أن صُبغت بالتعاليم الأسلامية، وعُدَّلت حسب ما يتفق والإسلام. فتح المسلمون بلاد الروم وهي مملوءة بالنصارى في مصر وبلاد المغرب والاندلس والشام، وكانت النصرانية عند الفتح منقسمة إلى جملة طوائف أشهرها: اليعاقبة والنساطرة والملكانية التي كانت منتشرة في بلاد المغرب وصقلية والأندلس والشام" فكان كثير من رجال الدين فلاسفة كالاب أوغسطينوس(354-430م) وكانت الأسكندرية هي المركز الجغرافي لمزج الدين بالفلسفة، فسهل الأتصال والأمتزاج، وقورن بين الآراء المختلفة، حيث تقابلت في الأسكندرية آراء الشرقيين والغربيين "اليونان" وأمتزج روح اليونان بروح المشارقة، فأستخرجت العقائد الدينية والنظم الفلسفية التي بلغت الذروة في مذهب الغنوسطية والأفلاطونية الحديثة ولذا أمتاز هذا العصر بميل الفلسفة إلى الدين وميل الدين إلى الفلسفة . ثم دخل المذهب الافلاطوني في الإسلام عن طريق فريق من المعتزلة والحكماء والصوفية، ومنهم أخذت جل أفكارهم جماعة "أخوان الصفا "وغيرهم. فنستطيع أن نفهم أن الثقافة اليونانية كانت منتشرة في العراق والشام والأسكندرية ومن أشهرهم "الأخطل والقَطامي. وأن المدارس أنتشرت فيها على يد السريانيين ثم أصبحت هذه المدارس تحت حكم المسلمين.وامتزج الحاكمين بالمحكومين فكان من نتيجة هذا التزاوج الثقافة العربية أو الأسلامية، ونتجت المذاهب الدينية والفلسفة الإسلامية والحركات العلمية والفنون الأدبية. منها : شعر الملاحم كالألياذة والأوديسة والشعر الغنائي والتمثيلي. لكن على الجملة كانت الأداب الفارسية أكثر تأثيراٍ في الأدب العربي من الآداب اليونانية.فقد كان لهذه الثقافة أثر كبير في المسلمين، ومما زاد في أثرها أن اتصال المسلمون بها صاحب عصر تدوين العلوم العربية، فتسربت الثقافة اليونانية إليها، وكان لهم فنون من غناء وتصوير فكان العرب يستخدمون ماأقتبسوا إستخداماً صالحاً، كالحِكم فقد تُرجمت حِكمٌ نسب لفيثاغورس، وسُقراط، وأفلاطون ومُلئت كتب الأدب بها ، وأشهر من يمثل هذه الثقافة "حُنين بن إسحاق". الترك. كان وجود عنصر الاتراك له أثر كبير في تاريخ الأمة الأسلامية وقد أقدم الخليفة المعتصم بالله على الترك 220هجرية وذلك لحماستهم تجاه القتال، فهم أشدّاء أصحاء كما تستلزمه طبيعة بلادهم، ولأن أم المعتصم أصلها تركي وقد استكثر منهم حتى ملؤوابغداد. وكانوا في أول أمرهم قوة للدولة، وبسببهم يرجع انتصارهم على الروم في وقعة عمّورية 233ه، وأخذ التاريخ الأسلامي يصطبغ بالصبغة التركية، وأبرز من يمثلهم في الدولة الأسلامية بن طولون وبغا الصغير وبغا الكبير، فكانوا القابضين على زمام الدولة في ذلك العصر.وأمتازوا بالبسالة في الحروب، وتأييد الخلفاء، وكان لقبضهم على زمام الحكم أثر في دخول كثير منهم في الإسلام وانتشارهم في المملكة الإسلامية. وقد لوّنوا الحياة الإجتماعية، بما عرف عنهم من جمالٍ ونظافة، وأهم ماأثرّ به الأتراك هو إلغاء سلطان المعتزلة وإعلاء شأن المحدثين، واضطهاد اليهود والنصارى. فتح الهند. لما فتح المسلمون فارس والعراق فكّروا في الهند، سنة 89 هجرية وجه الحجاح بفتح بلاد الهند فأجتاوزا مدينة الديبل وبنى فيها مسجداا وهدم معبد بوذا وواصل زحفه حتى بلغ نهر السند، وأستولى على كثير منها صلحاا على أن يعاملوهم معاملة اليهود والنصارى. وكان بعض الفاتحين أنفسهم من العلماء، فلم يكن الجيش الإسلامي فاتحاً فقط، بل ناشراً للدعوة ومعلماً.أثر الهنود في الثقافة الإسلامية من ناحية مباشرة: وذلك لإتصال المسلمين بالهند من طريق التجارة، والفتح العربي. فقد كانت لهم عادات وتقاليد ونظم . فأماتة الحيوان محظورة عليهم، وكانت هذه التعاليم هي التي أثرت في جملة من العرب أشهرهمأبي العلاء المعريّ فحرّم على نفسه اللحم وكره ذبح الحيوان. وكان تأثير الهند من نواح أهمها: الإلهيات، الرياضيات والنجوم والأدب،وكان لمسألة تناسخ الأرواح أثر كبير في المسلمين، وهذه النظرية (إن الأرواح لا تموت، لكنها تنتقل من بدن إلى بدن)، التي لعبت دوراً هاماً في المذاهب الأسلامية والتصوف. مثل أبو مسلم الخرساني، والرازي. ونظرية التناسخ تُسلم إلى مذهب الحلول. وكان لهذا كله أثر في مذهب الصوفية. و"السمنية" وهو من مذاهب الهند القائلة بالتناسخ. وأبرز ما تأثر به المسلمون: السند وأفغانستان. وقد قامت فيهم الدولة الغزنوية من سنة 351هجرية إلى إلى 582هجرية. ومن أشهر رجال هذه الدولة بل من أشهر أعلام الأسلام "محمود بن سُبُكْتِكِيْن" الذي وسع فتوحه إلى ما وراء كشمير وبنجاب، وبخارى وما وراء النهر. وامتدن مملكته من لاهور إلى سمرقند إلى اصفهان العراق، وقد نبغ فيهم الكثير من رجال العلم وكان فيهم خلق وجلادة، واغلبهم على مذهب الحنفية، ومنهم سعيد السجزي القاضي الحنفي وأبو أحمد بن أحمد السجزي، وكان من أهل العلم وسمع الحديث بخراسان والعراق. أما أفغانستان فمن أشهر مدنها قُندهار، وكابل ونسب إليها جمعً من المحدثين. وقد احتاط بهم كثير من علماء الدين، وكان أكثر مذاهبهم أصحاب حديث. وأبرز من مثلهم هو "البيروني" الذي نبغ في الفلك والعلوم هايكو أو هائيكو هو نوع من الشعر الياباني، يحاول شاعر الهايكو، من خلال ألفاظ بسيطة التعبير عن مشاعر جياشة أو أحاسيس عميقة. تتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط، مكون من سبعة عشر مقطعا صوتيا (باليابانية)، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر (خمسة، سبعة ثم خمسة). الأعلام. ازدهر الـ"هايكو" في مرحلته الأولى في القرن الـ17 م، بفضل "باشو"، المعلم الأول لهذا الفن بلا منازع. يشكل كل من الشاعر والرسام "بوسون" (1716-1783 م)، "ماسا-أوكا شيكي" (1867-1902 م) و"كوباياشي إسّا" أعمدة هذا الفن. لا زال تعاطي هذا الشعر شائعا في أيامنا هذه، ويحتل مكانة متميزة في الأدب الياباني. كان الـ"هايكو" سببا في ظهور "الصورية" وهي حركة شعرية أنجلو-أمريكية راجت في أوائل القرن العشرين (الـ20 م)، كما أثر في العديد من الأعمال الأدبية الغربية الأخرى. التركيب. يقوم شاعر الـ"هايكو" وعن طريق ألفاظ بسيطة بعيدة عن التأنق بوصف الحدث أو المنظر بعفوية ومن دون تدبر أو تفكيرا، تماما كما يفعل الطفل الصغير: يأخذ الشاعر الحاذق الأحاسيس، المشاعر والانطباعات المتدفقة ويعرف كيف يصبها في قالب من سبعة عشر لفظا: تنطلق الألفاظ بطريقة عفوية وآنية، تعطي صورة تكون محسوسة، عناصرها مترابطة، فكل منها تقاسم للتو لحظة من حياته مع الآخر: وهذا مثال آخر و الجدير بالذكر بأن جزء من تركيبة الهايكو يتضمن إضافة كلمة "موسمية" تدل على الوقت الذي يتحدث فيه الشاعر. فتجدون الحيوانات أو النباتات أو معالم الطقس الموجودة في بيئة اليابان الغنية دلالة على المواسم الأربع، وبذلك الحالات النفسية والسياقات الاجتماعية والثقافية التابعة لتلك المواقف من منظور ياباني. كل هذا يُلخّص في صورة ذهنية مُركّزة ومبسّطة في إطار تجربة فردية لتلك اللحظة. سُئل عمره فرفع يده ملابس الصيف الطفل هنا عمره خمس سنوات، وبالتالي قد يكون وقت الاحتفال به حسب مراسيم "شيتشي - جو - سان " أو "سبعة - خمسة - ثلاثة" وهي الأعمار التي يُحتفل فيها بصحة وسلامة الأطفال في اليابان. "ملابس الصيف" تدل على إخراج ملابس الصيف وتخزين ملابس الشتاء، أي في الشهر الرابع من السنة. الكيغو. أحد شروط هايكو هو أن يضم "كيغو" أي كلمة تدل على الموسم. المواسم اليابانية هي: الربيع والصيف والخريف والشتاء. في الكيغو يتم تقسيم الموسم إلى ثلاثة اجزاء، بداية ومنتصف ونهاية. مثل: الهايكو العربي. كان الهايكو يصل إلى اللغة العربية عن طريق ترجمة نصوص عبر لغات وسيطة كالإنجليزية حتى نهاية التسعينيات، ثم بدأت تظهر ترجمات عن اللغة اليابانية. رغم أن الكثير من النقاد العرب لا يعترفون بالهايكو العربي كمدرسة شعرية مستقلة، بل فرع من شعر النثر، إلا أن عدد شعراء الهايكو ونواديهم في ازدياد مستمر. الهايكو العربي عموماً لم يلتزم بضوابط شكل قصيدة الهايكو اليابانية، بل أحياناً خرج أيضاً عن إطار التصوير الشعري إلى الطرح الأيديولوجي الذي يتنافى مع قواعد الهايكو الأصلية. المؤسس الأصلي الفعلي لقصيدة الهايكو العربي( التوقيعة الشعرية ) هو الشاعر الفلسطيني عزالدين المناصرة عام 1964 في قصيدتيه: هايكو تانكا-- وتوقيعات وهو مازال يواصل كتابة الهايكو العربي ( التوقيعات ) حتى اليوم. باشو (اسم الشهرة) (ياليابانية: 松尾芭蕉) واسمه الأصلي ماتسوو مانوفوسا عاش (1644-1694 م) هو شاعر ياباني، ومعلم شعر الـ"هايكو" الأكبر بلا منازع، كان أيضا بارعا في شعر النثر الياباني أو "هايبون". يشكل مع كل من "شيكاناتسو مونزا-إيمون" و"إهارا شائيكاكو" أعمدة الأدب الياباني في الفترة التي عرفت بـ"قرن أوساكا الذهبي". حياته. ينحدر "ماتسو-أو مونيفوسا"، والذي اشتهر لاحقا تحت اسمه الأدبي "باشو" من إحدى العائلات المحاربة (ساموراي)، تلقى تربية تقليدية، أصبح وهو في سن مبكرة تحت تصرف أكبر أبناء سيد المعقل الذي ينتمي إليه، استمر في خدمته حتى وفاة سيده الكبير في 1666 م، رحل إلى "كيوتو" (العاصمة الإمبراطورية) ليتابع دراسته في الآداب. عام 1681 م، فضل حياة العزلة، فانزوى بالقرب من "إيدو" (طوكيو اليوم) في مكان أطلق عليه اسم "صومعة شجرة الموز" (باشو-آن)، ومنها استمد لقبه (باشو) والذي يعني شجرة الموز. قام بدراسة مذهب زن البوذي، وبدأ في ممارسة التأمل. كرس "باشو" السنوات العشر الأخيرة من حياته للترحال والتأمل، فتنقل في أرجاء اليابان، كان يقطع تلك الرحالات بفترات طويلة يخصصها للتأمل. توفي أثناء إحدى رحلاته، وقام في الليلة الأخيرة بخط بيت "هايكو" على إحدى الأوراق: الأعمال. ألف "باشو" العديد من أشعار الـ"هايكو"، كانت الأبيات في هذا الصنف من الشعر تنظم في سبعة عشر مقطعا صوتيا، وعرف "باشو" بتفوقه في ذلك. بالإضافة إلى أشعاره ترك العديد من المصنفات عن مشاهداته أثناء تجواله في البلاد. نظم "باشو" العديد من الاشعار النثرية أو ما يعرف بـ"هائيبون"، نظرا لطول هذه القصائد اعتاد البعض عند استعادتها الاحتفاظ بالبيت الأخير الجامع فقط. تقوم الأبيات الأصلية بوصف السياق أو الجو العام للقصيدة وهي تساعد في فهم أكبر لأعمال الشاعر، وتعيد لها نكهتها الأصلية المميزة. رفض باشو أن يعلن انتمائه إلى أي من المدارس الشعرية، لم يترك ورائه أي مصنف في هذا الفن. قام مريدوه بتجميع أهم أعماله، ومن أهمها المصنف المعروف باسم "الدرب الضيق في أقصى المعمورة" (Oku no hosomichi، 1689). لا زالت هذه الأعمال مرجعا للشعراء الذين يبحثون عن كيفية التعبير عن شعور فريد، موضوع عام أو صورة طبيعية في ثلاثة أسطر فقط. مقتطفات. قال يصف مشهدا لأحد قوارب الغاق (غراب البحر)، وهي طيور بحرية لونها داكن لها قدرة عجيبة على الغوص تحت الماء، يتم تربيتها وتتخذ لصيد الأسماك: شاهد حصان يقتلع أوراق بعض الشجيرات ليقتات منها فأنشد: وفي أحد أشهر أشعاره قال يصف منظر ضفدعة تقفز على سطح الماء: وفي أحد أشعاره قال يصف نهاية فصل الخريف حيث موسم حصاد الكستناء: بوسون أو يوسا بوسون (باليابانية: 与謝蕪村) عاش (1716-1784 م) هو شاعر ورسام ياباني. ساهم مع "إيكه نو تائيغا" في تأسيس ما عرف بـ"بونجين-غا"، وهو فن من فنون الرسم انتشر بين أوساط رجال الأدب، استوحيت هذه الفكرة من الصين، ثم أخذت طابعها الياباني المميز بفضل جهود "بوسون" ورفيقه. حياته. ولد بوسون في إحدى ضواحي أوساكا، وأصبح يتيما وهو في سن مبكرة. في عام 1737 م انتقل إلى إيدو (طوكيو اليوم)، لدراسة الرسم والشعر المعروف باسم هايكو، تتلمذ على يد هايانو هاجين، والذي كان بدورة من مريدي الشاعر الكبير باشو. بعد وفاة أستاذه في سنة 1742 م، تنقل بوسون بين المقاطعات اليابانية في الشمال، على خطى باشو، ثم قام برحلة ثانية إلى غربي اليابان، ليستقر في العاصمة كيوتو سنة 1751 م. نظرا لقلة موارده المالية، قام بفتح ورشة لصناعة الحواجب الخشبية (نوع من الأثاث يتخذ لستر جزء من الغرفة) في عام 1757 م، أثناء هذه الفترة اتخذ عدة أسماء مستعارة وقام بإنجاز العديد من الرسومات على الخشب، كانت هذه من أخصب مراحل حياته ودامت حتى سنة 1770 م. إيدو وتعني حرفياً "باب الخليج" هو الاسم القديم لمدينة طوكيو في اليابان، وإليها نسبت الفترة المعروفة بـ"فترة إيدو" من التاريخ الياباني والتي صاحبت حكم أسرة "توكوغاوا" للبلاد. تاريخ. منذ تأسيس مكاتب الشوغون في إيدو أصبحت كيوتو العاصمة السابقة لليابان، حيث تحولت العاصمة بحكم الحال إلى إيدو لأنها أصبحت مركز السلطة السياسية الحقيقية. ومنذ ذلك الوقت نمت إيدو بشكل متسارع من قرية صيد صغيرة في عام 1457 إلى عاصمة متحضرة يقطنها أكثر من مليون نسمة عام 1712 وكانت أكبر مدينة في العالم في ذلك الوقت. تعرضت إيدو للعديد من الحرائق المدمرة منها حريق ميريكي الكبير عام 1657 الذي راح ضحيته أكثر من 100 ألف شخص. في عام 1868 عندما آلت شوغونية توكوغاوا إلى نهايتها مع بدء إصلاح ميجي، تمت إعادة تسمية إيدو إلى طوكيو والتي تعني "العاصمة الشرقية" وانتقل الإمبراطور إليها من إقامته السابقة في كيوتو. جغرافيا. عرفت المدينة بإحاطتها لقلعة إيدو، حيث تعرف المنطقة المحيطة بالقلعة مباشرة باسم يامانوته والتي كانت تضم بشكل رئيسي بيوت الإقطاعيين (دايميو)، كما كانت تضم كثافة كبيرة من محاربي الساموراي. وبالابتعاد قليلا عن مركز المدينة نجد مايسمى شيتاماتشي 下町(المدينة السفلى) والتي كان يسكنها الصناع والحرفيين يعرفون باسم تشونين (町人) إلى الشمال الغربي من القلعة في مناطق مثل أساكوسا وأوينو. يجري نهر سوميدا على طول لالحافة الشرقية للمدينة والتي كان على طوله يتوضع مخازن أرز الشوغون والمكاتب الرسمية له بالإضافة إلى أشهر مطاعم المدينة. يتوسط المدينة ما عرف في السابق باسم "جسر إدو" (江戸橋، إيدو-باشي)(نيهونباشي حالياً) والذي كان يعتبر المركز التجاري للمدينة حيث يتجمع الصيادين والحرفيين والتجار لعرض بضائعهم وتبادلها عبر البحر أو البر، وبقيت تلك المنطقة هي المنطقة المالية لطوكيو حتى اليوم. حميت الزاوية الشمالية الشرقية من المدينة التي اعتبرت على أنها جهة خطرة بحسب تعاليم الأونميودو ببناء عدد من المعابد لحماية المدينة من الأرواح. أوكييو-إه (باليابانية: 浮世絵) هي حركة فنية تصويرية يابانية ظهرت في بداية القرن السابع عشر للميلاد (الـ17 م)، تقوم على الرسم (الطباعة برسوم بارزة)، يتم نحت الرسومات على ألواح خشبية أولا ثم تطبع على الورق. كلمة "أوكي-يو إه" تعني صورة العالم العائم، في إشارة إلى الطبيعة المتقلبة، الظاهرية والمؤقتة للأشياء في العالم الدنيوي. عرف هذا الفن عهدا ذهبيا في "فترة إيدو" (1603-1868 م)، قام الحرفيون بتكييف تقنيات الرسم المعروفة، للإنتاج مجموعات كبيرة من الصور ذات تكلفة قليلة، موجهة أساسا للباعة والتجار. التقنية. يقوم فنانون برسم لوحاتهم على أوراق شفافة، يتم رسمها مرة أخرى على ألواح من خشب أشجار الكرز (ساكورا)، ثم يتولى نحتها بطريقة بارزة على الخشب حرفيون مهرة، ليتم أخيرا طبعها على الورق. يرجع تسمية هذه الفن بالعالم العائم إلى طبيعة المواضيع الذي كانت تعالجها اللوحات الأولى، والتي كانت في معظمها مشاهد من الحياة اليومية الدنيوية. إلى جانب الرسومات التقليدية قام الحرفيون بطبع العديد من جداول التقويمات، بطاقات الأماني، كتب مصورة وأخرى للتسلية، أدلة للرحلات بالإضافة إلى إعلانات لمسارح الكابوكي، بيوتالدعارة، بيوت الشاي، والمطاعم وغيرها من الأماكن التي كان يرتادها أهل مدينة "إيدو". أصول الفن. عرف الحرفيون اليابانيون استعمال فن الرشم (الطباعة برسوم بارزة) منذ القدم، اقتصرت مزاولة هذا النشاط على الأديرة البوذية، وتوجب الانتظار حتى منتصف القرن الـ17 م، حتى تظهر أولى الرواشم (الصور التي يتم طباعتها عن طريق الرشم) ذات الطبيعة الدنيوية (غير دينية). كان للرسام والمصور "هيشيكاوا مورونوبو"، والذي ابتكر أولى الرواشم الملونة، الدور الكبير في التشهير بهذا الفن. قام "هيشيكاوا" بتكييف طرق الرسم التقليدية مع فن النحت على الخشب، واستطاع أن يطبع العديد من الكتب المصورة، المطويات ورسومات لمناظر طبيعية وغيرها. استمر العمل بهذا الأسلوب حتى العشرية الأولى من القرن الـ18 م. الطباعة متعددة الألوان. تم التحول من الطباعة الأحادية اللون إلى الطباعة متعددة الألوان منذ 1760 م، وفتحت هذه التقنية آفاقا جديدة. قام "سوزوكي هارونوبو" وهو مخترع الطريقة، بوضع حزازات ودعائم صغيرة حتى يثبت الأوراق في مكانها ويمنع طبعات الألوان المختلفة من التزحزح. بدأ مع هذه التقنية الجديدة العهد الذهبي لفن الـ"أوكييو-إه". حاول الحرفيون بعد "هارونوبو" استخدام تقنيات جديدة فاتخذوا خلفيات من الميكا اللامع (نوع من الصخور يأتي على شكل صفائح) واستعملوا أوراق ذات حبيبات خاصة، كانت بعض رسوماتهم كبيرة الحجم وتحتل مساحة ورقتين أو أكثر. عرفت هذه الموجة من الرسومات نجاحا كبيرا. بعد الموجة التقليدية والتي ميزها تصوير المناظر الطبيعة وبروز "توريئي كييوناغا" ولوحاته عن النساء، تميزت أعمال كل من "كيتاغاوا أوتامارو" ثم "توشوسائي شاكارو" والتي جاءت بعد 1780 م، ببعدها النفساني. مع بداية القرن الـ19 م، بدأ فن الرشم في الاضمحلال، تدهورت جودة الرسومات، وكان ذلك من عواقب الشعبية الكبيرة التي حظي بها هذا الفن، فقد ازداد جمهوره، وزاد الطلب على هذه المطبوعات، وكانت الأوساط الشعبية أقل إلحاحا وتركيزا على جودة هذه الأعمال. بقيت "أوساكا"، والتي كانت تنافس "إيدو" في هذه الصناعة، المعقل الأخير لفن الرشم الأصيل، واستطاع حرفيوها الحفاظ على جودة الرواشم. المرحلة الثانية. دخل الفن مرحلة ركود دامت حتى حوالي 1820 م، ثم تحول الاهتمام في بداية العشرينيات إلى المناظر الطبيعية مرة أخرى، وبرز اسمي "كاتسوشيكا هوكوسائي" و"أوتاغاوا هيروشيغه" كاثنين من أكبر أستاذة هذا التوجه، قاما بإنجاز أعمال كبيرة، على غرار "المشاهد الستة والثلاثين لجبل فوجي" (Fugaku sanjurokkei، 1823 م)، وعرفت هذه شعبية كبيرة. ظلت مدرسة الـ"أوكييو-إه" مزدهرة حتى نهاية القرن التاسع عشر، ثم أخذت تتلاشى مع بداية إصلاحات "فترة مييجي". أثرت هذه المدرسة في فنانين كبار من المدرسة الغربية (فان غوخ، مونيه، مانيه، دوغا، رونوار وغيرهم)، وكانت سببا في ظهور حركة فنية جديدة انتشرت في فرنسا (Japonisme). مصطلحات مفيدة: مضيق بيرنغ يفصل بين قارة آسيا وقارة أمريكا الشمالية، تحديداً بين رأس ديجنيف في روسيا، ورأس أمير بلاد الغال في ألاسكا، وهو يصل بين بحر بيرنغ والمحيط المتجمد الشمالي، هذا المضيق تم اكتشافه في المرة الأولى من طرف البحار الروسي سيمون ديزهنيوف سنة 1648، وأبحر فيه من جديد الدنماركي فيتوس بيرنغ سنة 1728، ثم مرة أخرى من طرف البحار الإنجليزي جيمس كوك وفرديريك ويليام بيشي. أضيق جزء في مضيق برينغ يبلغ عرضه 92 كم. ثم يأخذ في الاتساع شمالا وجنوبا، ويصل عمقه حوالي 190 قدماً. وتكثر فيه الجزر المعترضة، مثل جزر ديوميد التي تتكون من ديوميد الكبيرة أو "راثمانوف" التابعة لرابطة الجمهوريات الروسية وديوميد الصغيرة التابعة للولايات المتحدة. وتبلغ مساحة كل جزيرة من 2 إلى 5 كيلومتر مربع. وتقع جنوبهما جزيرة كبيرة هي جزيرة سانت لورنس شمال بحر بيرنج، وهي تابعة للولايات المتحدة.ويصل معدل درجة الحرارة في هذا المضيق حوالي 25 فارنهيتية (6.4 مئوية)، ويتجمد ماؤه في الشتاء.وتساعد التيارات والرياح على دفع الكتل المتجمدة نحوالشمال. عندما اشترت الولايات المتحدة ألاسكا من الإمبراطورية الروسية عام 1867 أصبح مضيق بيرنج منطقة نزاع حول حقوق صيد الأحياء البحرية النادرة، إضافة إلى كونه ممراً استراتيجياً مما يزيد من حدة النزاع بين الدولتين. يعيش على جانبي هذا المضيق السكان الأصليون من القبائل القديمة كالإسكيمو والشوكشي والكورياك وتعمل هذه القبائل في صيد البحر والمتاجرة بجلود الحيوانات النادرة التي تكثر في هذه المناطق. جبال الألب ، ، و هي سلسلة جبال في أوروبا تمتد من النمسا وسلوفينيا شرقاً، مروراً بإيطاليا وسويسرا وليختنشتاين وألمانيا وحتى فرنسا غرباً. وكلمة ألب تعني أبيض باللغة اللاتينية. أعلى قمة في سلسلة الألب هي قمة مون بلون أي القمة البيضاء الواقعة على الحدود الفرنسية-الإيطالية ويبلغ ارتفاعه 4810 متراً. الجغرافيا. يوجد في شمال جبال الألب مجموعة من الهضاب أهمها : هضبة جبال الكتلة المركزية وهضبة بافاريا في ألمانيا، وتبرز أهمية هذه الهضاب للرعي والتعدين، كما توجد فيها بعض المناطق الغابية المتفرقة. القمم المشهورة. يقسم الخط الواصل بين بحيرة كومو وبحيرة كونستانس جبال الألب إلى قسمين غربي وشرقي. القسم الغربي يقع في فرنسا وإيطاليا وسويسرا. ويتميز هذا القسم بكون قممه أعلى ارتفاعاً لكن السلسلة الجبلية أقصر مسافةً. أعلى القمم في الجزء الغربي هي قمة مونت بلانك (4810 متر) وقمة دفورسبيتز (4638 متر). بينما يقع القسم الشرقي من الجبال في إيطاليا والنمسا وسويسرا وألمانيا وليختنشتاين وسلوفينيا. وأعلى قمة هي بيز بيرنينا (4049 متر) وأورتلر (3905 متر) الجيولوجيا. تشكلت جبال الألب مُنذ حوالي 30 مليون سنة، تحت تأثير قوى الضغط بين الصفيحة الأفريقية والصفيحة الأوروآسيوية حيث حدث اصطدام للصفيحتين، فانزلقت الصفيحة الأفريقية تحت الصفيحة الأوروآسيوية وهذا ما تسبب في تكون جبال الألب. المناخ. بارد في الشتاء مع وجود الثلوج في قمم هذه الجبال وفي الصيف الجو معتدل البوسفور أو مضيق إسطنبول (بالتركية İstanbul Boğazı، باليونانية Βόσπορος)، هو مضيق يصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ويعتبر مع مضيق الدردنيل الحدود الجنوبية بين قارة آسيا وأوروبا، ويبلغ طوله 30 كم، ويتراوح عرضه بين (550 متر و3000 متر)، وحسب المعتقدات اليونانية القديمة، فإن تسمية المضيق تعني ممر البقرة. مياه مضيق البوسفور مصنفة ضمن مجال الملاحة الدولية، وتعتبر حركة السفن بالمضيق واحدة من أهم نقاط الملاحة البحرية في العالم، حيث بلغ عدد السفن المارة بالمضيق سنة 2003 حوالي 47000 سفينة منها أكثر من 8000 سفينة تحمل مواد خطيرة (غاز مسال، نفط ...إلخ)، وفي سنة 2004 تزايد عدد السفن المارة بالمضيق ووصل عددها أكثر من 53000 سفينة. يخترق المضيق تيارات مائية خطيرة، وضيق المضيق في بعض المناطق يجعل من الملاحة صعبة، وقد وقعت العديد من الحوادث الخطيرة، نذكر منها حادث تصادم سفينتين محملتين بالنفط في 13 مارس 1994 أدت إلى وفاة 25 بحار، وفي 15 يوليو 2005، باخرة بانامية غرقت بالمضيق في ظروف غامضة. الجسور. ويقطع هذا المضيق جسران هما جسر البوسفور وجسر السلطان محمد الفاتح. وفي عام 2016 تم الانتهاء من جسر السلطان سليم الأول أو جسر إسطنبول الثالث. وافتتح رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بتاريخ 29 أكتوبر نفق مرمراي في مياه البوسفور وذلك احتفالاً بمرور تسعون عاماً على تأسيس الجمهورية التركية. تاريخ المضيق. يرجع تاريخ مضيق البسفور إلى آلاف السنين، حيث حصل تصدع وتشقق أرضي في العصر الجيولوجي الرابع، وأخذ المضيق شكلهُ الحالي قبل حوالي 7500 سنة، ويعرف المضيق في اللغات الأخرى بمضيق بوسبهورس، واسمه في التراث اليوناني ممر البقرة وذلك نسبة لحكاية أسطورية قديمة تقول أن الإله زيوس حول محبوبته أيبو إلى شكل بقرة خوفاً عليها من غيرة زوجته، فعلمت زوجتهُ بذلك فسلطت عليها ذباباً، فهربت منها أيبو وعبرت هذا المضيق، ولذلك سمي بوسفور المشقة والكلمة مشتقة من كلمتي (بوس) وتعني البقرة، و(هوروس) يعني المضيق، وأجتمعت الكلمتان بمفردة واحدة (بوسفور). وعبر التاريخ كان هنالك مشكلة في اجتياز السفن من هذا المضيق عبر القارتين، وأول جسر بني على مضيق البوسفور كان في القرن الرابع من قبل الإمبراطور (ألبرس داريوس) والذي كان في حرب مع الأسكيدين، وعبر جيشه على الزوارق والقوارب الخشبية المربوطة ببعضها البعض بواسطة السلاسل، وكان مجموع جيشه سبع مائة ألف مقاتل، ثم تغيرت المنطقة عبر الزمن فصارت منطقة تجارية بعد تطور التجارة البحرية، وبنى البيزنطيون فيها على ضفاف البوسفور قلاعهم والقصور الصيفية، وكذلك بنى العثمانيون في جوانبها الحصون والقلاع وحدائق النزهة وغير ذلك. واجه الشعر الياباني تحدر من الشعر الصيني في أوج حضارة حكم سلالة تانغ الصينية. وقد أمضى الشعراء اليابانيون عدة قرون لاستيعاب التأثير الصيني ودمجه ضمن ثقافتهم ولغتهم، ليبدؤوا تطوير تشكيلات وأنماط مختلفة من شعرهم الوطني. وعلى سبيل المثال في قصيدة (قصة جني) غالبا ما يقرن الشعر باللغتين، كون أكثر الشعر الياباني كان يكتب بالصينية. ولذلك يبدو أن تعبير "شعر باللغة اليابانية" أكثر دقة. ومن أنواع الشعر الياباني: أهم ثلاث مجموعات شعرية في التاريخ الياباني هي مانيوشو، شين كوكين واكاشو، وكوكين واكاشو. كوكين واكاشو. في منتصف فترة هييآن عاد شعر واكا إلى الوجود بإكمال كتاب كوكين واكاشو. تم تأليفه بأمر من الإمبراطور دايغو على يد كي نو تسورايوكي وأربعة من زملائه، حيث يضم حوالي 1000 مقطوعة واكا معظمها من أواخر فترة نارا. الأدب الياباني القديم يتسم بِسِمَتَيْن: الأولى أن جانباً كبيراً منه كُتب باللغة الصينية، والثانية أن النساء أسهمن في إنتاجه إسهاماً بارزاً لم يسجِّل تاريخ الأدب العالمي نظيراً له عند أيّما شعب آخر. تأثّرت الأعمال الباكرة للأدب الياباني بالتواصل الثقافي مع الصين والأدب الصيني، معظمها كُتبت باللغة الصينية الكلاسيكية. كان للأدب الهندي تأثير أيضًا خلال انفصال البوذية في اليابان. وفي الأخير، طوّر الأدب الياباني أسلوبه المنفصل، على الرغم من بقاء التأثّر بالأدب الصيني واللغة الصينية الكلاسيكية حتى نهاية فترة إيدو. منذ إعادة فتح الموانئ اليابانية للدبلوماسية والتجارة الغربية في القرن التاسع عشر، تأثّر الأدب الغربي والشرقي ببعضهما البعض تأثرًا كبيرًا وما زال حتى يومنا هذا. التاريخ. أدب نارا (قبل عام 794). قبل إدخال الكانجي من الصين، لم يمتلك اليابانيون نظامًا للكتابة. يُعتقد بأن الحروف الصينية جاءت إلى اليابان في البداية المبكّرة للقرن الخامس، جُلبت من قبل المهاجرين عن طريق اليابسة من أصولٍ كورية وصينيةٍ. اتّبعت أوّل النصوص اليابانية المبكّرة أسلوب الصينيين، قبل الانتقال التدريجي إلى الحروف الصينية المهجّنة المستخدمة في الصيغ النحوية اليابانية، فكانت النتيجة جملًا تبدو مثل اللغة الصينية إلا أنها كانت تُقرأ صوتيًا مثل اليابانية. عُدّلت الحروف الصينية أيضًا، بإنشاء ما يُعرف بمانيوغانا، الشكل المبكّر لكانا، أو نظام الكتابة المقطعية اليابانية. ابتُدعت أوّل الأعمال الأدبية اليابانية في فترة نارا. تضمّنت الكوجيكي (712)، دوّن السجل التاريخي أيضًا الأساطير اليابانية القديمة والأغاني الشعبية، خلال نيهون شوكي (720)، والذي هو سجلٌ كُتب باللغة الصينية وفُصّل به أكثر بكثير من كوجيكي، بالإضافة إلى مان يوشو (759)، وهو عبارة عن مقتطفاتٌ شعريةٌ. إحدى القصص التي وصفوها هي أوراشيما تارو. أدب هييآن (794-1185). يُشار إلى فترة هييآن بأنها العصر الذهبي للفنون والأدب في التاريخ الياباني. خلال هذا العصر، ركّز الأدب على النخبة الثقافية للأرستقراطيين والرهبان. تحيّز البلاط الملكي بشكلٍ خاصّ للشعراء، إذا كان معظمهم من رجال الحاشية أو مساعدات الملكة. يعكس الجو الأرستقراطي، رقيّ الشعر وحنكته والتعبير عن المشاعر بأسلوبٍ منمّقٍ.  وسرعان ما أصبح تحرير المقتطفات الشعرية هواية وطنية. تعتبر قصيدة إيروها، واحدة من النظامين المعيارين لنظام الكتابة المقطعية اليابانية، والتي أُنشئت أيضًا خلال فترة هييآن الباكرة. كُتبت غنجي مونوغاتاري (قصة غنجي)، في بداية القرن الحادي عشر من قبل امرأة تُسمى موراساكي شيكيبو، والتي تعتبر الرواية البارزة للقصص الخيالية في فترة هييآن. شملت الكتابات الأخرى المهمة في هذه الفترة كوكين واكاشو (905)، والمقتطفات الشعرية واكا، وماكورا نو سوشي (كتاب الوسادة) (990)، كتب كتاب الوسادة سي شوناغون، وعاصر ونوافس موراساكي شيكيبو، كان مثل مقالةٍ عن الحياة، والحب، وتسالي النبلاء في البلاط الإمبراطور. ومن القطع الأخرى الجديرة بالذكر من الأدب الياباني الخيالي هي كونجاكو مونوغاتاري، مجموعة من أكثر من ألف قصة في 31 مجلّد. يغطّي المجلّد قصصًا مختلفةً من الهند، والصين، واليابان. يمكن اعتبار القصة اليابانية في القرن العاشر، تاكيتوري مونوغاتاري (قصة ذا بامبو كوتر)، مثالًا مبكّرًا على الخيال العلمي البدائي. كانت بطلة القصة، كاغويا هايم، أميرةً من القمر أرسلت للأرض من أجل المحافظة على سلامتها خلال حرب سماوية، وُجدت ورُفعت من خلال قاطع للخيزران. أُعيدت لاحقًا لعائلتها الفضائية من خلال توصيف وتصوير لشيءٍ طائر قرصي الشكل مشابهٍ للصحن الطائر. أدب كاماكورا موروماشي (1185-1603). خلال فترة كاماكورا (1185-1333)، خضع اليابانيون لعدّة حروبٍ أهليةٍ أدّت إلى تطور مكانة المحاربين، والحكايات التالية للحرب، والحكايات التاريخية، وما ارتبط بها من قصص. برزت الأعمال في هذه الفترة بسبب أسلوبها الكئيب مقارنةً بالأعمال في العصور السابقة، مع مواضيع عن الحياة والموت، ونمط الحياة البسيط، والتضحية من خلال القتل. القصّة النموذجية هيك مونوتوغاري (قصة الهائيكي) (1371)، وهي سردٌ ملحمي للنضال بين عشيرتي ميناموتو وتايرا للسيطرة على اليابان في نهاية القرن الثاني عشر. تشمل القصص المهمّة الأخرى في هذه الفترة هوجوكي لكامو نو شومي (1212) وتسوريزورغوزا ليوشيدا كينكو (1331). على الرغم من تراجع أهمية البلاط الإمبراطوري، بقي الأدب الأرستقراطي مركز الثقافة اليابانية في بداية فترة كاماكورا. شهدت هذه الفترة أيضًا حركة تجديد للشعر، من خلال تأليف عدد من المقتطفات، مثل شين كوكين واكاشو المؤلفة في مطلع القرن الثالث عشر. وعلى أي حال، كان هنالك عدد قليل من الأعمال الجديرة بالذكر من مؤلّفاتٍ إناثٍ في تلك الفترة، الأمر الذي يعكس تدنّي أوضاع المرأة. بالتزامن مع استمرار تراجع أهمية البلاط الملكي، كانت الميّزة الأساسية لأدب موروماشي انتشار النشاط الثقافي خلال كل مستويات المجتمع. إذ أن أدب البلاط الكلاسيكي، الذي كان النقطة المركزية للأدب الياباني حتى هذه النقطة، اختفى تدريجيًا. ظهرت أساليبٌ جديدةٌ مثل رينجا، أو الشعر المترابط، ومسرح النو بين عامة الشعب، بالإضافة إلى سيتسوا مثل ذا نيهون ريويكي الذي أُنشئ من قبل كاهنٍ بوذيٍّ للوعظ. جلب تطوّر الطرقات، برفقة اهتمام البشر المتزايد بالسفر والحجّ، زيادة الشعبية الكبيرة لأدب السفر منذ بداية القرن الثالث عشر وحتى القرن الرابع عشر. وتشمل الأمثلة الجديرة بالذكر عن مذكّرات السفر فوجي كيكو (1432) وتسوكوشي ميشيو نو كي (1480). أدب فترة إيدو (1603-1868). كُتب الأدب في هذه الفترة خلال فترة توكوغاوا التي شهدت سلمية كبيرة (يُشار إليها عادةً بفترة إيدو). يُرجع جزء كبير من ارتقاء الطبقات المتوسّطة والعاملة في العاصمة الجديدة إيدو (هي ذاتهاطوكيو الحديثة)، إلى أشكال الدراما الشعبية المتقدّمة والتي تطورت لاحقًا إلى الكابوكي. اشتُهر المسرحي لكابوكي وجوروري جيكماتسو مونزايمون (1653-1725) في نهاية القرن السابع عشر، ويُعرف أيضًا بشكسبير اليابان. ظهرت العديد من أساليب الأدب لأوّل مرةٍ خلال فترة إيدو، ساعد على هذا ارتفاع معدّل القراءة والكتابة بين عدد السكان المتزايد في البلدة، بالإضافة إلى تطوّر الإعارة عن طريق المكاتب. يُقال بأن إيهارا سايكاكو (1642-1693) منح ولادة الوعي المعاصر للرواية اليابانية، إذ خلط حوار اللغة العامية إلى حكاياته الفكاهية وذات المغزى والعبرة في بيوت المتعة، المدعوّة أسلوب يوكيوزوشي «عالم عائم». يُعتبر "حياة رجل شهواني" لإيهارا أول عملٍ من هذا الأسلوب. وبالرغم من أن أعمال إيهارا لم تحظَ باحترام كما الأدب الرفيع وذلك لأنها صوّبت بعد ذلك ونُشرت من قبل كونين، إلا أنهم حظوا بشعبية وكانوا المفتاح لتطّور ونشر يوكيوزوشي. عُرف ماتسوو باشو (1644-1694) أنه البارع الأعظم في شعر الهايكو (سُمي حينها هوكو) تأثرت أشعاره بتجربته المباشرة للعالم من حوله، والتي توجز عادةً الشعور في المشهد ببضعة عناصر بسيطة. جعل عمل حياته تحويل هايكي إلى أسلوبٍ أدبيٍّ. بالنسبة لباشو، تضمّن هايكي عنده خليطًا من المزاح الهزلي والعمق الروحي، والتجربة الزاهدة، والإقحام في المجتمع البشري. بشكلٍ خاصّ، كتب باشو أوكو نو هوسوميشي والذي يعدّ عملًا رئيسيًا في أسلوب مذاكرت السفر واعتُبر «واحدًا من أهم النصوص في الأدب الياباني الكلاسيكي». حظيت الشاعرة فوكودو تشيو ني (1703-1775) باهتمامٍ واسعٍ كواحدةٍ من أعظم شعراء شعر الهايكو. قبل تواجدها، رُفضت وتُجوهلت النساء حين نظمن أشعار هايكو. إلّا أن إخلاصها تجاه مهنتها لم يعبّد الطريق لها فقط بل أيضًا فتح الدرب لنساءٍ أخرياتٍ ليسروا على خطاها. تأثّر شعرها المبكّر بماتسو باشو، إلا أنها طوّرت لاحقًا نمطها الفريد كشكلٍ مستقلٍّ تبعًا لطريقتها. ومنذ مراهقتها، حظيت بشعبيةٍ في جميع أنحاء اليابان بسبب شعرها. تناول شعرها غالبًا الطبيعة، والعمل على وحدة الطبيعة مع الإنسانية إذ كانت حياتها حياة شعراء الهايكاي الذي جعلوا حياتهم والعالم الذي عاشوا فيه واحد بالنسبة لهم، وعاشت حياةً بسيطة ومتواضعة. استطاعت عمل علاقات من خلال دراستها المتأنية واليقظة للأشياء الفريدة حول عالمها البسيط وتدوينها. الاشتراكية هي نظام اقتصادي يمتاز بالملكية الجماعية لوسائل الإنتاج والإدارة التعاونية للاقتصاد؛ أو هي فلسفة سياسية تدافع عن هذا النظام الاقتصادي. الملكية الاجتماعية تعود لأي شخص ما أو مجموعة مما يلي: شركات تعاونية أو ملكية شائعة أو ملكية عامة مباشرة أو دولة المؤسسات المستقلة. الاقتصاديات الاشتراكية تعتمد على الإنتاج من أجل الاستخدام والتخصيص المباشر لمدخلات الاقتصاد لإشباع المتطلبات الاقتصادية والحاجات البشرية (قيمة الاستخدام)؛ المحاسبة تعتمد على كميات طبيعية من الموارد، كمية طبيعية أو قياس مباشر لوقت العمل. كحركة سياسية، تشمل الاشتراكية على مصفوفة مختلفة من الفلسفات السياسية، تتراوح ما بين الاشتراكية الإصلاحية إلى الاشتراكية الثورية. يدافع أنصار اشتراكية الدولة عن قومية وسائل الإنتاج، توزيع وتبادل خطة لتنفيذ الاشتراكية. يدافع الديموقراطيون الاشتراكيون عن إعادة توزيع الضرائب وتنظيم الحكومة لرأس المال من خلال هيكل اقتصاد السوق. بخلاف ما سبق، الحركة اللاسلطوية تدافع عن تحكم العامل المباشر في وسائل الإنتاج بدون الاعتماد على سلطة الدولة أو السياسيات البرلمانية أو ملكية الدولة للصناعة لتحقيق الاشتراكية. الاشتراكية الحديثة تنبع من مفكري القرن الثامن عشر والحركة السياسية للطبقة العاملة التي تنتقد آثار الصناعة والملكية الخاصة على المجتمع.على الرغم من أن المصطلح اشتراكي في القرن التاسع عشر كان يطلق على أي اهتمام بالمشاكل الاجتماعية للرأسمالية، بدون النظر للحل، بنهاية القرن التاسع عشر حدث تضاد واضح بين الاشتراكية والرأسمالية وأصبحت نظاماً بديلاً يعتمد على الملكية الجماعية. الاشتراكيون الخياليون أمثال روبرت أوين حاول أن يؤسس كميونات معتمدة على نفسها بالانفصال عن المجتمع الرأسمالي. ألهم النموذج السوفيتي لتطور اقتصاد الاشتراكيين أمثال اللينيين-الماركسيين، ودافعوا عن خلق اقتصاد مخطط مركزياً يوجهه حزب الدولة الحاكم الذي يملك وسائل الإنتاج. الحكومات الشيوعية اليوغوسلافية والمجرية والألمانية الشرقية والصينية أنشأت أشكال لاشتراكية السوق متعددة، تدمج نماذج الملكية التعاونية وملكية الدولة مع تبادل السوق الحر ونظام الأسعار الحرة (ولكن الأسعار الحرة ليست لوسائل الإنتاج). الفلسفة. تعتمد وجهة النظر الاشتراكية عامة على أساس مادي (عامة ما تتضمن المادية التاريخية أو الوضعية) وفهم للسلوك الإنساني يُشكل عن طريق البيئة الاجتماعية. وفي الخصوص الاشتراكية العلمية تحتوي العادات والقيم الاجتماعية والصفات الثقافية والمعاملات الاقتصادية هي صناعات اشتراكية وأيضاً قوانين طبيعية غير قابلة للتغيير. الهدف الأسمى للاشتراكيين الماركسيين هو رفع الولاية وتحرير العمال من العمل عند الآخرين. ويتجادل الماركسيون أن تحرير الفرد من ضرورة العمل عند الآخرين من أجل الحصول على بضائع سيجعل الناس تنساق إلى اهتمامتهم الخاصة ويطوروا مواهبهم الخاصة بدون الاهتمام بالعمل عند الآخرين. وهكذا بالنسبة للماركسيين يسمح بأن تكون مرحلة التطوير الاقتصادي مرحلة عرضية على التقدمات الموجودة بالقدرات الإنتاجية بالمجتمع. عامة الاشتراكيون يثبتوا أن الرأسمالية تركز القوة والثروة في قطاع من المجتمع، فيتحكم هذا القطاع في وسائل الإنتاج ويستمد ثروته من النظام الإستغلالي. وهذا يخلق مجتمع طبقي يعتمد على علاقات اجتماعية غير متساوية مما يسبب الفشل في إمداد فرص متساوية لكل الأفراد لتعظيم قدراتهم، وهكذا لا يتم استخدام التقنيات المتاحة والمصادر لتعظيم قدراتهم لمصلحة العامة، وتركز على إرضاء وإشباع رغبات السوق المستحث في مقابل متطلبات الإنسان. ويثبت الاشتراكيون أن الاشتراكية تسمح بتوزيع الثروة على أساس مساهمة كل فرد في المجتمع وفي المقابل كم رأس المال الذي يمتلكه الفرد. الاشتراكيون يؤكدوا أن رأس المال نظام اقتصادي غير شرعي، حيث أن هذا يخدم مصلحة الأغنياء وتسمح بإستغلال الطبقات الأدنى. وبالتبعية يتطلعوا إلى أن يستبدلوا النظام بالكامل بعمل تعديلات ضرورية له لكي يخلقوا عدالة اجتماعية لتولد مستوى معيشة أساسي. الهدف الأساسي للاشتراكية المساواة الاجتماعية وتوزيع الثروة على أساس المساهمة في المجتمع، وتنظيم اقتصادي يخدم مصلحة المجتمع ككل. الاقتصاد. التصميم الأساسي للاشتراكية هو تصميم اقتصادي حيث أن الإنتاج منظم بطريقة مباشرة لإنتاج بضائع وخدمات لأجل قيمة استخدامها، التوزيع المباشر للموارد تبعا لإرضاء المتطلبات الاقتصادية بدون حسابات مالية وتعبئة الاقتصاد يعتمد على وحدات طبيعية في مقابل القوانين الاقتصادية للرأسمالية، وعادة تتبع نهاية الفئات الاقتصادية الرأسمالية مثل الإيجار والفائدة والربح والمال. وناتج الاقتصاد الاشتراكي بضائع وخدمات للاستهلاك يمكن توزيعها على الأسواق. وبتباين مع الرأسمالية حيث الإنتاج يرجى منه الربح، وهكذا يعتمد على التوزيع غير المباشر. الرأسمالية المثالية تعتمد على التنافس الكامل، الضغوط التنافسية تجبر المشاريع الاقتصادية للاستجابة لمتطلبات المستهلكين حتى يكون السعي وراء الربح بتقريب الإنتاج للاستخدام خلال عملية غير مباشرة(ضغوط تنافسية على الشركات الخاصة). اشتراكية السوق ترجع إلى مصفوفة من النظريات الاقتصادية المختلفة ونظم تستخدم آلية السوق لتنظيم الإنتاج وتخصيص عوامل الإنتاج بين الشركات المملوكة اشتراكياً، مع عائد اقتصادي زائد للمجتمع كحصة اشتراكية في مقابل مالكي رأس المال. تغيرات اشتراكية السوق تشمل المقترحات التحررية كالتبادلية Mutualism، والنماذج الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة مثل نموذج لانجه. الاقتصاد المخطط. الاقتصاد المخطط يجمع بين الملكية العامة لوسائل الإنتاج مع دولة مركزية التخطيط. عادة ما يرتبط هذا النموذج مع الاقتصاد المركزي أي على النمط السوفييتي. في الاقتصاد المخطط مركزيا، اتخاذ القرارات بشأن كمية السلع والخدمات التي يتم إنتاجها من قبل وكالة التخطيط. وكان هذا النوع من النظام الاقتصادي مع نظام الحزب الواحد سياسيا، ويرتبط بالتالي مع الدول الشيوعية في القرن 20. في اقتصاد الاتحاد السوفييتي، كان الجمع بين ملكية الدولة لوسائل الإنتاج مع التخطيط المركزي، فيما يتعلق بالسلع والخدمات التي تم تقديمها، وكيف يجب أن تصدر، وكميات وأسعار بيع. وكان التخطيط الاقتصادي السوفياتي بديلا السماح السوق (العرض والطلب) لتحديد أسعار السلع المنتجة والمستهلكة. الاقتصاد السوفياتي تستخدم مواد المحاسبة العمومية من أجل تحقيق التوازن في المعروض من المدخلات المتاحة مع أهداف الإنتاج، على الرغم من هذا أبدا كليا محل المحاسبة المالية. على الرغم من أن الاقتصاد السوفياتي كان اسميا الاقتصاد المخطط مركزيا، في الممارسة العملية وقد وضعت الخطة على الحركة والتنقل كما كان جمع المعلومات ونقلها من الشركات لتخطيط الوزارات. النظرية الاجتماعية والسياسية. المنظرون الاجتماعيون الماركسيون وغير الماركسيين يتفقون على تطور الاشتراكية كرد فعل للرأسمالية الصناعية الحديثة، ويختلفوا على طبيعة علاقاتهم. في هذا السياق استخدمت الاشتراكية لتشير إلى حركة سياسية، وفلسفة سياسية وشكل افتراضي للمجتمع تحاول هذه الحركات أن تحققها. وكنتيجة لذلك، في السياق السياسي فالاشتراكية تشير إلى إستراتيجية (لتحقيق مجتمع اشتراكي) أو السياسيات المروجة من قِبل المنظمات الاشتراكية والأحزاب الاشتراكية السياسية، كل ما سبق ليس له علاقة بالاشتراكية كنظام اشتراكي اقتصادي. الماركسية. في معظم النظريات الاشتراكية تأثيراً، كارل ماركس وفريدريك أنجلز آمنوا بأن وعي كل شخص يحصل على أجر أو مرتب (الطبقة العامة بالمعنى الماركسي الواسع) يمكن أن يصب شروطهم من العبودية المأجورة، مما يؤدي إلى الميل إلى البحث عن حريتهم أو رفع الولاية بنزع ملكية الرأسماليين لوسائل الإنتاج. طبقاً لآراء ماركس وأنجلز، الشروط تحدد الوعي وإنهاء دور الطبقة الرأسمالية وبالتالي سيتكون مجتمع غير طبقي عندئذٍ ستنتهي الدولة. كتب ماركس: (ليس الوعي العام للناس هو مايحدد وجودهم، ولكن الوجود الاجتماعي/الاشتراكي هو مايحدد وعيهم). المبدأ الماركسي للاشتراكية أنه لحالة معينة تاريخية سيتم استبدال الرأسمالية وستتقدم الشيوعية. الخصائص الأساسية للاشتراكية (خصوصاً ما استنبطه ماركس بعد كميونة باريس عام 1871) هي ان البروليتارية ستتحكم بوسائل الإنتاج من خلال العمال، وستقوم دولة من أجل مصالح العمال. وسيزال النشاط الاقتصادي منظم من خلال استخدام أنظمة دافعة والطبقات الاجتماعية ستظل موجودة ولكن سيتم تحديدها وتقليص أبعادها عما كانت تحت الرأسمالية. الماركسية بالنسبة للماركسيين المتشددين هي أدنى مرتبة للشيوعية فهي تعتمد على مبدأ "من كل فرد حسب مقدرته إلى كل فرد حسب مساهمته." بينما المرحلة الأعلى للشيوعية فهي تعتمد على مبدأ "من كل فرد حسب مقدرته إلى كل فرد حسب حاجته." وستكون المرحلة العليا ممكنة فقط بعدما تصل المرحلة الاشتراكية لكفاءة اقتصادية عالية وتُساق عجلة الإنتاج إلى وفرة من المنتجات والخدمات. قال ماركس أن القوى المادية المنتجة (في الصناعة والتجارة) أنشأتها الرأسمالية التي تنبات بمجتمع تعاوني حيث أصبح الإنتاج وزن اجتماعي نشاط جماعي للفئات العاملة لخلق سلع ولكن عن طريق ملكية خاصة (علاقات الإنتاج أو علاقات ملكية). هذا الصراع بين الجهود الجماعية في المصانع الكبيرة والملكيات الخاصة من الممكن ان تجلب رغبة وعي في الطبقة العاملة لإنشاء ملكية جماعية متناسب مع الجهود الجماعية لخبراتهم اليومية. وفي مرحلة ما من التطور، القوى المادية المنتجة للمجتمع تدخل في صراع مع علاقات الإنتاج أو "-هذا تعبر عنه بوضوح البنود القانونية- مع علاقات الملكية خلال إطار العمل الذي يعملوا من خلاله حتى يومنا هذا. ومن ثم يبدأ عهد ثورة اجتماعية. التغيرات في الأساس الاقتصادي يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تحول البنية كلها." وهكذا فسينهض المجتمع الاشتراكي الذي يعتمد على تعاون ديموقراطي. وفي النهاية الدولة -المرتبطة بجميع المجتمعات السابقة- التي تنقسم إلى طبقات من أجل قمع الطبقات المقهورة ستندثر. على نقيض ما سبق، افترض إميل دوركايم أن جذور الاشتراكية تنجلي في الرغبة من تقريب الدولة من عالم النشاط الفردي، في مقابل شذوذ المجتمع الرأسمالي، معتبراً ان الاشتراكية "تمثل ببساطة في المبادئ الاخلاقية التي اكتشفها علم الاجتماع ويمكن تطبيقها". يمكن اعتبار دوركايم ديموقراطي اجتماعي حديث للدفاع عن إصلاحات المجتمع ولكن برفض خلق مجتمع اشتراكي. سعى تشي جيفارا إلى أن تكون الاشتراكية تعتمد على الفلاحة الريفية عن أن تكون طبقة عمال حضرية، في محاولة لإلهام فلاحي بوليفيا، وبعينة من تغيير الوعي قال جيفارا عام 1956: " لا يمكن ان توجد الاشتراكية بدون تغيير في الوعي الناشئ في الموقف الودي تجاه الإنسانية، كل على مستوى فردي من خلال مجتمعات حيث تبنى الاشتراكية أو بُنيت، ولعى مقياس العالم، ومع الأخذ في الاعتبار لكل الناس الذين يعانوا من القمع الاستعماري." الاشتراكية الخيالية والعلمية. الاشتراكية الخيالية هي الاشتراكية الطوباوية نسبة لمدينة أفلاطون يوطوبيا. الفرق ما بين الاشتراكية الخيالية والاشتراكية العلمية وضحها صراحةً فريدريك انغلز في كتابه (الاشتراكية: الخيالية والعلمية) حيث بين أن "الخيالية تصور ظروف اجتماعية مثالية" للمصلحين الاشتراكيين بمبدأ ماركسي اشتراكي علمي. بدأت الاشتراكية العلمية باختبار الظواهر الاجتماعية والاقتصادية -دراسة تجريبية للعمليات الحقيقية في المجتمع والتاريخ. بالنسبة للماركسيين، تطور الرأسمالية في غرب أوروبا زود قاعدة مادية لإحتمالات جلب الاشتراكية، وطبقاً للبيان الشيوعي، "ما يتنجه البرجوازي فوق الكل هو بمثابة حفارات لقبره"، بمسمى الطبقة العاملة، لابد أن نعي المنظورات التاريخية التي يضعها المجتمع. راجع إدوارد بيرنشتين هذه النظرية ليقترح أن تحرك المجتمع نحو الاشتراكية هو أمر حتمي، ليجلب العنصر الآلي والغائي للماركسية ومشعلاً لمبدأ الاشتراكية التطورية. رأى ثورشتين فيلبن أن الاشتراكية كمرحلة فورية في عملية التطور المتواصلة في الاقتصاد أن الناتج من التدهور الطبيعي لنظام العمل التجاري، وبمناقضة ماركس لم يؤمن بأن نتيجة الصراع السياسي أو ثورة الطبقة العاملة ولم يؤمن بأنها الهدف الأسمى للإنسانية. أسس الاشتراكيون الطوباوين مجموعة من المُثل والأهداف التي تقدم الاشتراكية بديلاً للرأسمالية، مع سمات فعالة أفضل. مثالاً لذلك الهيئة الاشتراكية التي تشمل مجتمع روبرت أوين الذي يدعى (نيو هارموني New Harmony). الإصلاح والثورة. يعتقد الإصلاحيون -مثل الديموقراطيون الاشتراكيون القدامى- أن النظام الاشتراكي يمكن تحقيقه بإصلاح النظام الرأسمالي. الاشتراكية في وجهة نظرهم يمكن أن تُحقق من خلال نظام سياسي موجود بانتخاب الاشتراكيين للمكتب السياسي للقيام بإصلاحات اقتصادية ضمنية. يعتقد الثوريون أمثال الماركسيين واللاسلطويين أن مثل هذه الطرق ستفشل لأن الدول ستقوم بالعمل من أجل مصالح الأعمال الرأسمالية، والحزب الاشتراكي إما سيندرج تحت النظام الرأسمالي أو سيجد نفسه غير قادر على عمل الإصلاحات الأساسية. ويعتقدون أن الثورة العفوية هي الطريقة الوحيدة لإقامة نظام اقتصادي اجتماعي جديد. مهمة المنظمات أو الأحزاب الاشتراكية هي تعليم الجماهير على بناء وعي اشتراكي. يريدون ألا تعرف الثورة بانها تمرد عنيف، ولكن تغير شامل وسريع. خلافاً لما سبق، يدافع اللينيون والتروتسكيون عن حزب الطليعة، الذي يقوده ثوريون متمرسون، ليقود الطبقة العاملة لامتلاك الدولة. بعد الحوز على السلطة، يبحث اللينيون خلق دولة اشتراكية يسطر عليها الحزب الثوري، حيث يجدون ذلك جوهرياً لإرساء قواعد اقتصاد اشتراكي. يقول النقابيون الثوريون أن تجارة الثورة أو الإتحادات الصناعية -خلافاً للدولة أو مجلس العمال- هي الطرق الوحيدة لقيام الاشتراكية. هناك منظرون آخرون أمثال جوزيف شومبيتر وثورشتاين فيبلن وبعض الاشتراكيين الخيالين يعتقدوا أن الاشتراكية طبيعياً أو تلقائياً بدون أو بجزء محدود من العمل السياسي كنظام الاقتصاد الرأسمالي سيتآكل إلى أن يُهجر ويبطل استعماله. الاشتراكية من الأعلى والأسفل. تعود الاشتراكية من أعلى إلى الرأي القائل بأن إصلاحات وثورات الاشتراكية ستأتي من أو ستقاد بواسطة أعضاء مجتمع من ذوي المراكز العليا راغبين في نظام اقتصادي أكثر كفاءة وعقلانية. يعتقدكل من كلود هنري دي سان سيمون والاقتصادي التطوري ثورشتين فيبلن أن الاشتراكية هي ناتج عمل مهندسين مبدعين وعلماء وفنيين يريدوا أنن يرتبوا المجتمع والاقتصاد بطريقة عقلانية بدلاً من الطبقة العاملة. الديموقراطية الاشتراكية تدافع عن العقلانين والطبقة الوسطى، وبالمثل قطاعات من الطبقة العاملة. أما الاشتراكية من الأسفل فتعود إلى الموقف الذي يمكن أن تأتي منه الاشتراكية فقط، ويقودها تحرك تضامني وسياسي من الطبقات السفلى، مثل الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة السفلى. أنصار منظور الاشتراكية من الأسفل أمثال النقابيين والماركسيين المتشددين وعادة مايشبه منظور الاشتراكية من الأعلى بالنخبوية و، أو الستالينية. تخصيص الموارد. تخصيص الموارد هو موضوع جدلي جداً بين اشتراكي السوق وأنصار التخطيط الاقتصادي. يدافع العديد من الاشتراكيين التخطيط اللامركزي التشاركي، حيث صنع القرار الاقتصادي يعتمد على إدارة النفس وحكم النفس والطريقة الديموقراطية من الأسفل لأعلى بدون أي سلطة مركزية موجهة. أيد ليون تروتسكي المخططين المركزيين، مهما كانت سعة عقلانيتهم، والعمل بدون مدخول واشراك الملايين من الناس الذين يشاركوا في الاقتصاد والاستجابة للظروف المحلية الاقتصادية؛ حيث أن المخططون المركزيون لن يكونوا قادرين على محورة كل النشاط الاقتصادي بكفاءة. من الناحية الأخرى، يدافع اللينيون وبعض اشتراكيو الدولة عن التخطيط المباشر حيث يتم تمرير التوجيهات من تخطيط عالي للأسفل، السلطات لمديري المشاريع الذين يعطوا الأوامر للعمال. المساواة في الفرص والمساواة في خرج الإنتاج. يدافع أنصار المساواة في الفرص عن المجتمع الذي يحوي فرص متساوية لكل الأفراد لتعظيم قدراتهم لتحقيق مراكز في المجتمع. وسيجعل ذلك ممكناً بوصول متساوي لضروريات الحياة. يعود تساوي خرج الإنتاج إلى الدولة التي تمنح كل فرد فيها عدداً متساوي من المنح والمكافأت ومستوى من قوة صنع القرار متساوي مع الإيمان بأن كل الأدوار في المجتمع ضرورية وهكذا لايمنح ي شخص أكثر من الآخرين. يشارك في هذا الرأي الاشتراكيون الطائفيون الطوباويون والماركسيون والديموقراطيون الاشتراكيون والشيوعيون اللاسلطوين. سياسة. الحركات السياسية الاشتراكية الأساسية كما سيلي شرحها بعد هذه الفقرة. المنظرون المستقلون الاشتراكيون والكتاب الاشتراكيون الخياليون والمدعمون الأكاديميون للاشتراكية من الممكن ألا يمثلوا في أي من الحركات السياسية التالية. أطلقت بعض الأحزاب السياسية على أنفسهم اشتراكيين بينما يؤمنوا بآراء تناقض الأفكار الاشتراكية. استخدم بعض الساسة مصطلح اشتراكي على اليمين السياسي كصفة ضدالافراد الذين لا يعتبروا أنفسهم اشتراكيين، وضد السياسيات التي لا تعتبر الاشتراكية من أنصارها. اللاسلطوية. تحوي مبادئ اللاسلطوية (الأناركية) المبدأ الذي يقول أنه لايمكن للدولة أن تقيم اقتصاد اشتراكي ويقترح ببديل سياسي يعتمد على مجتمعات اتحادية لامركزية مستقلة، تشمل أنصار اللاسلطوية الفردية واللاسلطوية الاشتراكية. يدافع التبادليون (المناصرين لنظرية التبادل الاقتصادية) عن اشتراكية السوق الحر، اللاسلطويون الجمعيون والتعاونيات العمالية والمرتبات تعتمد على مقدار الوقت المساهم في الإنتاج، يدافع الشيوعيون اللاسلطويون عن الانتقال المباشر من الرأسمالية للشيوعية التحررية والتحرك المباشر لللعمال النقابيين اللاسلطويين والإضراب العام. الاشتراكية الديمقراطية والديمقراطية الاشتراكية. إن الاشتراكية الديمقراطية الحديثة حركة سياسية واسعة الانتشار تبحث عن الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية من خلال سياق نظام ديمقراطي. تطلق الاشتراكية الديمقراطية عامة على أي حركة سياسية تبحث عن نظام اقتصادي يعتمد على الديمقراطية الاقتصادية. يرفض الاشتراكيون الديمقراطيون المركزية الديموقراطية وحزب الطليعة الثوري اللينيني. من الصعب تعريف الاشتراكية الديمقراطية، وهناك مجموعات من الباحثين وضعوا تعريفات مختلفة لهذا المصطلح. تصنف بعض هذه التعريفات كل أشكال التنظيمات الاشتراكية التي تتبع نظام انتخابي أو ثوري ديمقراطي تحت خانة "الاشتراكية الديمقراطية". و يدعم العديد من السياسيين، من ناحية أخرى، الديمقراطية الاشتراكية كطريق لإصلاح النظام الرأسمالي الحالي. الديموقراطية الاشتراكية الحديثة تؤكد على برامج الإصلاح التدريجي للرأسمالية لتصبح أكثر إنصافاً وإنسانية، وأما الهدف النظري النهائي (بناء مجتمع اشتراكي) فهو إما متجاهل تماماً أو معاد قولبته بطريقة رأسمالية متقدمة. يدعم الديمقراطيون الاشتراكيون التقليديون إنشاء الاشتراكية من خلال إصلاحات سياسية، بالعمل من خلال النظام الرأسمالي السياسي القائم. تتبع الحركة الديمقراطية الاشتراكية سياسات انتخابية من أجل تنفيذ الإصلاحات. تخلت الحركة الديمقراطية الاشتراكية الحديثة عن هدف التحرك تجاه اقتصاد اشتراكي مخطط وبدلاً من ذلك تدافع عن الإصلاحات الاجتماعية لتحسين الرأسمالية، كدولة الرفاهية وتعويضات البطالة. نجحت في تطبيق هذه الأفكار بعض الأنظمة الاقتصادية في دول مثل السويد والدنمارك والنرويج وفنلندا في العقود القليلة السابقة. وسميت هذه التجربة بالنموذج الشمال أوروبي. لينينية. تشجع اللينينة على تأسيس حزب طليعي يقوده ثوريون متمرسون، ليقودوا الطبقة العاملة للسيطرة على الدولة. يعتقدوا أن الاشتراكية لن تقوم عفوياً من خلال التدهور الطبيعي للرأسمالية، وذلك لأن العمال بأنفسهم غير قادرين على تنظيم وتطوير الوعي الاشتراكي، ولذلك مطلوب قيادة للطليعة الثورية. بعد امتلاك السلطة، يبحث اللينيون إقامة دولة اشتراكية حيث تكون الطبقة العاملة في محل قوة وسلطة، حيث ينظر إليهم أنهم ضروريون لإرساء الأسس لانتقالية اندثار الدولة تجاه الشيوعية (مجتمع بلا دولة). طريقة التنظيم الصناعي - الذي دافع عنه اللينيون واللينينية الماركسية - هو نموذج رأسمالي لإدارة علمية مستوحاة من فريدريك تايلور. تفرعت اللينينية إلى لنينية ماركسية وتروتسكية وستالينية وماوية. اشتراكية تحررية. تقوم الاشتراكية التحررية على مجتمع غير هرمي وغير بيروقراطي بلا دولة وبدون ملكية خاصة لوسائل الإنتاج. يعارض الاشتراكيون التحرريون كل أشكال المنظمات الاشتراكية القسرية وتشجع تكوين مؤسسة حرة محل الحكومة، وتعارض العلاقات الاجتماعية الرأسمالية القسرية كاجور العمالة. ويعارضوا هياكل القيادة الهرمية كأحزاب الطليعة ويرفضوا استخدام الدولة لإقامة الاشتراكية. تيارات الاشتراكية التحررية تشمل ميولاً ماركسياً كاليسار الشيوعي ومجلس الشيوعية والاستقلالية الذاتية، بالإضافة لحركات غير ماركسية كاليسار اللاسلطوي والكميونالية والبارتسيبية والديموقراطية الشاملة. نقابية. النقابية هي حركة اشتراكية تعمل من خلال اتحادات تجارية صناعية وترفض اشتراكية الدولة، أو استخدام الدولة لإقامة الاشتراكية. يدافع النقابيون عن مجتمع اشتراكي يعتمد على نقابات اتحادية أو نقابات عمالية لتملك وتدير وسائل الإنتاج. الناصرية. في سنة 1962، بدأ عبد الناصر سلسلة من القرارات الاشتراكية والإصلاحات التحديثية في مصر. وعلى الرغم من النكسات التي تعرضت لها قضيته القومية العربية، بحلول سنة 1963، وصل أنصار عبد الناصر للسلطة في عدة دول عربية. وقد شارك في الحرب الأهلية اليمنية في هذا الوقت. قدم ناصر دستوراً جديداً في سنة 1964، وهو العام نفسه الذي أصبح فيه رئيساً لحركة عدم الانحياز الدولية. بدأ ناصر ولايته الرئاسية الثانية في مارس 1965 بعد انتخابه بدون معارضة. وتبع ذلك هزيمة مصر من إسرائيل في حرب الأيام الستة سنة 1967. واستقال عبد الناصر من جميع مناصبه السياسية بسبب هذه الهزيمة، ولكنه تراجع عن استقالته بعد مظاهرات حاشدة طالبت بعودته إلى الرئاسة. بين سنتي 1967 و1968 عين عبد الناصر نفسه رئيساً للوزراء بالإضافة إلى منصبه كرئيس للجمهورية. وشن حرب الاستنزاف لاستعادة الأراضي المفقودة في حرب 1967. وبدأ عملية عدم تسييس الجيش وأصدر مجموعة من الإصلاحات الليبرالية السياسية. تاريخ. يُنسب مصطلح اشتراكية لبيير ليرو ولماري ريباود وفي بريطانيا لروبرت أوين لعام 1827، والد الحركة التعاونية. النماذج والأفكار الاشتراكية التي تؤيد الشيوع أو الملكية العامة موجودة منذ عصور قديمة. أَقَرَ مزدك الشيوعي الفارسي المناصر للاشتراكية بشيوع الملكية ودافع عن الصالح العام. وقد صُرحَ -على الرغم من الجدل القائم في هذا الموضوع- بوجود عناصر فكرية اشتراكية في سياسة الفلاسفة الإغريق القدامى أفلاطون وأرسطو. المدافع الأول للاشتراكية وفضل التساوي الاجتماعي لخلق مجتمع جدير وتكنوقراطي معتمد على مهارة الفرد كان كونت هنري سان سيمون وكان أول من صاغ مصطلح اشتراكي. ولع سان سيمون بوضع وقدرة العلوم والتكنولوجيا وحبذ مجتمع اشتراكي فيه يمكن إزالة الأشكال الغير متناسقة الرأسمالية وتعتمد على فرص متساوية. وأشار إلى تكوين مجتمع فيه يصنف الفرد ويكافأ حسب قدرته ومساهمته. التركيز في اشتراكية سيمون كانت على الكفاءة الإدارية والصناعية وأن مفتاح النجاح هو الإيمان بالعلم. وهذا كان مصاحباً للرغبة في تطبيق نظام اقتصاد عقلاني يعتمد على التخطيط ومُساق نحو نجاح على مقياس كبير من العلم والمادية، وهكذا تجسدت الرغبة في اقتصاد مبائر أو مخطط. أما المفكرون الاشتراكيون المبكرون أمثال طوماس هودجكن وشارلز هال أرسوا أفكارهم على نظريات ديفيد ريكاردو الاقتصادية. وفسروا ذلك بأن قيمة توازن السلع تُقرب لأسعار يضعها المنتج عندما تكون السلع في عرض مرن، وأسعار هذا المنتج تتوافق مع العمالة المتجسدة- تكلفة العمالة (الرواتب مدفوعة أساساً) المطلوبة لإنتاج هذه السلع. رأى الاشتراكيون الريكارديون الربح والفائدة والريع كخصومات لقيمة التبادل هذه. كان النقاد الغرب أوروبيين الاشتراكيون -بما فيهم من روبرت أوين وشارل فورييه وبيير جوزيف برودون لويس بلانك وشارلز هال وسان سيمون- أول الاشتراكيين الحديثين الذين انتقدوا الفقر المدقع وعدم المساواة الفجة في الثورة الصناعية. حبذوا الإصلاح، والبعض كروبرت أوين أشار إلى تحويل المجتمع إلى جماعات صغيرة بدون ملكية خاصة. كانت مساهمة روبرت أوين للاشتراكية الحديثة هي فهمه أن الأفعال والخصائص للأفراد تحددها البيئة الاجتماعية التي يتعرضوا لها طيلة نموهم وحياتهم. على الطرف الآخر، أشار شارل فورييه الفالنستير التي هي مجتمعات تحترم رغبات الأفراد (بما فيها الميول الجنسية)، والانتماءات والإبداعية ورأى أن العمل أصبح ممتعاً للناس. جُربت أفكار أوين وفورييه عملياً في العديد من المجتمعات المتعمدة في أنحاء قارتي أوروبا وأمريكا في منتصف القرن التاسع عشر. لغوياً، المفهوم المعاصر لكلمتي اشتراكي وشيوعي يتفق مع المناصرين والمعارضين للموقف الثقافي للدين. في أوروبا المسيحية لكلاهما الشيوعية هي طريقة حياة الملحد. أما في إنجلتر البروتستانتية، كلمة شيوعية كانت قريبة ثقافياً وسمعياً من شعيرة الروم الكاثوليك التواصلية، ولهذا أسمى الملحدون الإنجليز أنفسهم بالاشتراكيين. في عام 1848 عندما نشر البيان الشيوعي أثبت أنغلز " الاشتراكية تحترمها اليابسة، بينما الشيوعية ليست كذلك." أما الأوينيون في إنجلترا والفورييرون في فرنسا يعتبروا اشتراكيين محترمين، بينما حركات الطبقة العاملة "تنادي بتغير كلي اشتراكي ضروري" يشيرون لأنفسهم بأنهم شيوعيون. هذا الفرع الأخير من الاشتراكية انتج العمل الشيوعي لإتيان كابي في فرنسا وفيلهلم فايتلينج في ألمانيا. أصل التسمية. مصطلح (اشتراكية) صاغه هنري دي سان سيمون، مؤسس الاشتراكية الطوباوية. خُلقت مصطلح اشتراكية لتناقض المذهب الليبرالي للفردية. أدان الاشتراكيون الأصليون الفردية التحررية لأنها فشلت في الاهتمام بمشاكل الفقر في المجتمع والقهر الاجتماعي وتضخم اللامساواة في الثروة. ينظرون للمجتمع الفردي التحرري على أنه مجتمع غير منتج يدعم الأنانية وأنه يضر بحياة المجتمع من خلال اقتراح مجتمع تنافسي. وقدموا الاشتراكية بديلاً للفردية التحررية وأشاروا لمجتمع معتمد على التعاون بين أفراده. الجمعية الدولية الأولى والثانية. تأسست الجمعية الدولية العمالية بلندن عام 1864. عُقد أول اجتماع عام 1865، وفي العام التالي المؤتمر الأول بجينيف. ونظراً لوجود الفلسفات المتعددة في الدولية الأولى، كان هناك صراع من البداية. أول الاعتراضات على ماركس جاءت من التبادليين الذين عارضوا الشيوعية والدولانية. ومع ذلك بعد وقت قصير، بعدما التحق ميخائيل باكونين وأتباعه (الذين يدعوا بالجمعيين في الدولية) عام 1868، أصبحت الجمعية الدولية الأولى مستقطبة لمعسكرين، مع ماركس وباكونين كرؤوس للمُعَسكرَين. الفروق الأكثر وضوحاً للمجموعتين ظهرت من خلال خططهم لتحقيق نظرتهم للاشتراكية. أصبحت الجمعية الدولية الأولى هي أول منتدى دولي رئيسي لنشر الأفكار الاشتراكية. ولما تجسدت أفكار كل من ماركس وأنغلز خصوصاً في منتصف أوروبا، سعى الاشتراكيون لتوحيد المنظمة الدولية. في عام 1889، في مئوية الثورة الفرنسية تم تأسيس الجمعية الدولية الثانية 384 مندوباً من عشرين دولة لتمثل 300 منظمة للعمال والاشتراكيين. صيغت "دولية اشتراكية" وانتخب أنغلز كرئيس شرفي في ا مؤتمر الثالث عام 1893. طرد اللاسلطويين ولم يسمح لهم بالحضور نتيجة ضغط الماركسيين. الثورات من عام 1917 وحتى 1936. بحلول عام 1917، وطنية الحرب العالمية الأولى تحولت إلى تطرف في المعتقدات السياسية في معظم أنحاء القارة الأوروبية والولايات المتحدة وأستراليا. في شباط/فبراير 1917، تفجرت الثورة بروسيا. أقام العمال والجنود والفلاحون السوفيت (مجالس العمال) ووقع الحكم الفردي، والحكومة المؤقتة المستدعاة تنتظر انتخاب مجلس تأسيسي. وفي نيسان/أبريل من نفس العام، وصل فلاديمير لينين روسيا من النمسا مُنادياً "كل السُلطة للسوفيت." وفي تشرين الأول/أكتوبر، اكتسب حزبه البلاشفة تأييد معظم السوفييت في مؤتمر (كل الروس) للسوفييت، بينما قاد هو وتروتسكي معاً ثورة تشرين الأول/أكتوبر. كنوعٍ من البراغماتية، عَكَسَ لينين ترتيب ماركس للاقتصاد على السياسة، ليسمح بالثورة السياسية التي يقودها حزب الطليعة بالثوريين المُتمرسين على القيام بإنشاء مؤسسات اشتراكية عفوية تُقاد بانتفاضة عفوية للطبقة العاملة كما توقع كارل ماركس. وفي الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير عام 1918، صرح لينين في مجلس العمال بسان بيترسبيرج " فلتحيا الثورة الاشتراكية العالمية!" واقترح وقف قتال حالي في كل الجبهات، ونقل الأراضي من مُلاك الأراضي والعرش الملكي والأديرة جمعيات زراعية بدون أية تعويضات. وفي 26 من كانون الثاني/يناير عام 1918، وبعد يومٍ من تقلد السلطة التنفيذية، كتب لينين مشروع اللائحة التنفيذية عن سلطة العمال، التي منحت العمال التصرف في أمور أعمالهم مع أكثر من خمسة عمال وموظفيين مكتبيين، والوصول لكل الكتب الوثائق والمخازن، والذين قرارتهم "تُطوى حسب المُلاك والشركات". والحكم أصبح من خلال المجالس العمالية المُنتخبة، وفي تحالف مع الثوريين الاشتراكيين المُنتمين لليسار المعتمد على الزراعة، وبدأت الحكومة البلشفية تأميم البنوك والصناعة والتنصل من الديون الوطنية التي خلفها نظام رمانوف الملكي. وتم رفع دعوى قضائية من أجل السلام، الانسحاب من الحرب العالمية الأولى واستدعاء مجلس تأسيسي والذي فيه الحزب الثوري الاشتراكي الزراعي فاز بالأغلبية. انتخب المجلس التأسيسي القائد الثوري الاشتراكي فيكتور تشيرنوف رئيساً للجمهورية الروسية، ورفض العرض البلشفي الذي يوافق على لائحة السوفيت للأرض والسلام وسلطة العمال واعتماد سلطة المعرفة للعمال والجنود والفلاحين السوفييت. فصرح اليوم التالي البلاشفة أن المجلس أُنتخب كان من خلال قوائم حزبية قديمة، واللجنة التنفيذية المركزية لكل الروس حلتها. تولدت من الثورة الروسية البلشفية بكانون الثاني/يناير 1918 الأحزاب الشيوعية عالمياً، وثوراتهم المُصاحبة لعام 1917 لـ 1923. شك القليل من الشيوعيين من أن نجاح الاشتراكية الروسية اعتمدت على ثورة طبقة عمال اشتراكية ناجحة في الدول الرأسمالية. في 1919، نظم كل من لينين وتروتسكي الأحزاب الشيوعية العالمية لجمعية جديدة دولية للعمال -الشيوعية الدولية- المعروفة أيضا بالدولية الثالثة. وبحلول عام 1920، هزم الجيش الأحمر تحت قيادة تروتسكي الجيوش البيضاء الملكية. وفي العام التالي، انتهت الحرب الشيوعية وتحت سياسة اقتصادية جديدة، وسُمحت الملكية الخاصة للشركات الزراعية الصغيرة والمتوسطة. بينما ظلت الصناعة تحت سلطة الدولة، عَلِم لينين أن السياسة الاقتصادية الجديدة كان تقدير رأسمالي لابد منه لدولة غير جاهزة للاشتراكية. وعاد الاستغلال بشكل رجال (السياسة الاقتصادية الجديدة) والمزارعين الأغنياء ليفرضوا سيطرتهم على الريف بأكمله. في عام 1922، انعقد المؤتمر الرابع للدولية الشيوعية ليأخذ سياسة جديدة بتكوين جبهة موحدة، باستعجال الشيوعيين للعمل مع تنقيح وترتيب الديموقراطيين الاشتراكيين بينما يبقوا متأهبين لقادتهم الذين أُنتقدوا بخيانتهم للطبقة العاملة بتدعيم جهود الحرب لكل الطبقات الرأسمالية. لهذا الجزء، أشار الديموقراطيون الاشتراكيون للإزاحة التي تسببت بها الثورة، ولاحقاً نمو سلطوية الأحزاب الشيوعية. عندما طبق الحزب الشيوعي البريطاني تبني حزب العمال في عام 1920، تم رفضه. في عام 1923، بمشاهدة الدولة السوفيتية تنمو بسلطة جبرية، قال لينين المحتضر أن روسيا تحولت لآلة قيصرية برجوازية التي بالكاد تتماشى مع الاشتراكية." وبعد موت لينين في كانون الثاني/يناير 1924، رفض الحزب الشيوعي للإتحاد السوفييتي -وبتزايد تحت قيادة جوزيف ستالين- النظرية التي تقول ان الاشتراكية لايمكن أن تبنى بمفردها بالإتحاد السوفييتي. على الرغم من مطلب المعارضة اليسارية المُهمش لإستعادة الديموقراطية السوفييتية، طور ستالين حكومة سلطوية بيروقراطية وقد أدانت الاشتراكيين الديموقراطيين واللاسلطويين والتروستكيين لتقويضهم المبادئ الأولية الاشتراكية للثورة الروسية البلشفية. جلبت الثورة الروسية لتشرين الأول/أكتوبر عام 1917 التقسيم التعريفي والعقائدي للشيوعيين والجانب الآخر من الاتجاهات الشيوعية والاشتراكية الأخرى كالشيوعية اللاسلطوية والديموقراطيين الاشتراكيين. دفعت المعارضة اليسارية في الاتحاد السوفييتي لأعلى التروستكية التي ظلت معزولة وغير مُعتد بها لخمسين عام أخرين، فيما عدا سيرلانكا جيث جَنَت التروستكية الغالبية والجناح المناصر لموسكو طُرد من الحزب الشيوعي. ما بعد الحرب العالمية الثانية. في عام 1951، عبر وزير الصحة البريطاني عن رأيه قائلاً " من المحتمل صحة أن أوروبا الغربية قد إتجهت للاشتراكية بعد الحرب إن لم يعط السلوك السوفييتي صورة قاتمة جداً، الشيوعية والاشتراكية السوفييتية لم تفرق بينهم العقول بعد." وفي عام 1951 اعاد تأسيس الدولية الاشتراكية الأحزاب الاشتراكية الأوروبية. وصرحت "شَقت الشيوعية الحركة العمالية الدولية وأعادت للوراء تحقيق الاشتراكية في عديد من الدول لعقود من الزمن... وتدعي الشيوعية مغالطةً أن لها سهماً في التقليد الاشتراكية. حقيقةً شوهت هذا التقليد بدون تمييز. وبنت لاهوتاً جامداً لا يتماشى مع الروح النقدية للماركسية." وفي الأعوام التابعة للحرب، أصبحت الاشتراكية ذات تأثير متزايد فيما يسمى بالعالم الثالث. أممت دول بأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية الصناعات التي إمتلكها مُلاك أجانب. أما الاتحاد السوفييتي فأصبح قوة عظمى من خلال تبنيه للاقتصاد المُخطط. ولو على التكلفة البشرية. هذا الإنجاز أصبح وقعاً من الخارج، وأقنع العديد من القوميين في المستعمرات السابقة ليسوا بالضرورة شيوعيين أو اشتراكيين، لهم مميزات بأنهم يخططوا للدولة ويحتذوا النماذج المُرشدة للتطور الاشتراكي. وهذا لاحقاً كان له نتائج هامة في بلاد كالصين ومصر والهند حيث حاولت استيراد وتجربة النموذج السوفييتي. السلطة في يد الديموقراطيين الاشتراكيين. حزب العمال الأسترالي هو من أوائل الأحزاب العمالية الديموقراطية الاشتراكية في العالم، تم تأسيسه عام 1891. في عام 1904 انتخب الأستراليون أول رئيس وزراء عضو لهذا الحزب؛ كريس واطسون. في عام 1945، حزب العمال البريطاني، الي كان يقوده كليمنت أطلي، أنتُخب للإدارة ببرنامج اشتراكي متشدد. سيطرت الأحزاب الديموقراطية الاشتراكية سياسيات ما بعد الحرب في الدول مثل فرنسا وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا والبلجيك والنرويج. أما في السويد تقلد السلطة الحزب الديموقراطي الاشتراكي من عام 1936 إلى 1976 ومن 1982 إلى 1991 ومن 1994 إلى 2006. وفي وقت ما، صُرح أن فرنسا هي أكثر رأسمالية بها تحكم دولة. المؤسسات العامة المؤممة تشمل مناجم الفحم الفرنسية وكهرباء وغاز فرنسا والطيران الفرنسي والبنك الفرنسي. حكومات ما بعد الحرب العالمية الثانية قدمت إصلاح اجتماعي وإعادة توزيع للثروات بواسطة رفاهية وضرائب الدولة. المملكة المتحدة. تأثر حزب العمال بالمملكة المتحدة بالإصلاحي الاشتراكي البريطاني وليام بيفريدج، الذي حدد الشرور الخمسة التي تعاني منها الطبقة العاملة في فترة ما بعد الحرب: العوز والمرض والجهل وانعدام المأوى والبطالة. فوائد البطالة والتأمين القومي ومعاشات الدولة قدمتهم الحكومة العمالية عام 1945. أنورين بيفان الذي قدم الخدمة الصحية الوطنية عن طريق حزب العمال عام 1948، انتقد حكومة أطلي لعدم التقدم وطلب التخطيط الاقتصادي ونقد تطبيق التأميم لعدم تقليد السلطة للعمال مع التحكم الديموقراطي للعمليات. أممت الحكومة العمالية البريطانية أكبر المؤسسات العامة كالتعدين والغاز والفحم والكهرباء والسكة الحديد وحديد الصلب وبنك إنجلترا. وتمت خصخصة البترول البريطاني عام 1987 الذي كان قد أُمم عام 1951، وحدثت تداخلات حكومية خلال فنرة الحكومة العمالية من 1974 إلى 1979. قال أنطوني كروسلاند في عام 1965، أن 25 بالمائة من الصناعة البريطانية أُممت، أما الموظفيين بما فيها من صناعات مؤممة شكلوا نسبة مشابهة للكثافة العمالية للبلاد. ومع ذلك الحكومة العمالية لم تبحث إنهاء الرأسمالية ولم تكن في نيتها تطبيق الملكية العامة لوسائل الإنتاج والتوزيع والتبادل، والصلب العمالي المعاد تأميمه عام 1967 بعد ما خصخه المحافظون وإنتاج السيارات القومية. وفي عام 1977 تم تأميم شركات الطيران الرئيسية وبناء السفن. زودت الخدمة الصحية الوطنية برعاية صحية مدفوعة عن طريق الضرائب لجميع المواطنين مجاناً. وزد مجلس الإسكان للدولة الطبقة العاملة بالسكن، وأصبح التعليم في المتناول بواسطة نظام المنح المدرسية. إلين ويلكنسون، وزيرة التعليم قدمت حليب مدفوع عن طريق الضرائب للمدارس قائلة في عام 1946 بمؤتمر حزب العمال "الحليب المجاني سيوزع في هوكستون وشوريدتش وفي إيتون وهارو. ما هي المساواة الاجتماعية التي يمكن أن تأخذها أكثر من ذلك؟" صرح كاتب سيرة كليمينت أطلي هذه السياسة قائلاً "مساهمة بشكل ضخم للدفاع عن صحة الأطفال من الأمراض الناتجة من الحمية السيئة التي يتبعها الأطفال. أجيال من الأطفال الفقيرة تنمو أقوى وأكثر صحة بسبب فعل واحد كريم صغير وغير مكلف قامت به حكومة أطلي." النموذج الشمال أوروبي. يعود النظام الشمال أوروبي للنماذج الاقتصادية والاجتماعية للبلاد الشمال أوروبية مثل الدنمارك وأيسلندا والنرويج والسويد وفنلندا. فهذا التبني للاقتصاد المختلط للسوق يُصف بأكثر البلاد رخاءاً ورفاهية مقارنةً بالدول الأخرى المتطورة، حيث تهدف لتحسين استقلال الفرد، وتأكيد التوفير العالمي لحقوق الإنسان الأساسية واستقرار الاقتصاد. وهذا مختلف عن الدول ذات الرفاهية الأخرى مع أهداف مماثلة بتأكيد تعظيم إعادة توزيع القوة العاملة، والاستخدام التحرري للسياسة المالية التوسعية. وهذا شامل لدرجات عالية من عضوية اتحاد العمال. في عام 2008، كانت كثافة اتحاد العمال بنسبة 67.5 في المائة بفنلندا، و67.6 في المائة بالدنمارك، و68.3 في المائة بالسويد. مقارنةً بعضوية الاتحاد ذات نسبة 11.9 في المائة بالولايات المتحدة، و7.7 في المائة بفرنسا. ومع ذلك فالنموذج الشمال أوروبي ليس نموذجاً مفرداً به مكونات محددة من القوانين؛ كل البلاد الشمال أوروبية لها نظامها الاقتصادي والاجتماعي الخاص بها، وفي بعض الأوقات بها اختلافات كبيرة عن جيرانها. إتجاه الديموقراطيين الاشتراكيين لسياسات السوق الحر. تبنت العديد من الأحزاب الديموقراطية الاشتراكية -وخصوصاً بعد الحرب الباردة- سياسات السوق المعتمد على النزعة التحررية الجديدة التي تشمل الخصخصة والتحرير ورفع القيود والتمويل؛ مما أدى لهجر تتبع التطور للاشتراكية المُعتدلة من أجل صالح تحرر السوق. وعلى الرغم من الاسم، هذه السياسات المناصرة للرأسمالية هي مختلفة بشدة عن العديد من نظريات السوق الحر الغير رأسمالية التي تواجدت خلال التاريخ. في عام 1959، تبنى الحزب الديموقراطي الاشتراكي الألماني برنامج جودسبيرج الرافض لصراع الطبقات والماركسية. وفي عام 1980، مع صعود السياسين المحافظين ذوي النزعة التحررية الجديدة أمثال رونالد ريجان في الولايات المتحدة، ومارجريت تاتشر في بريطانيا، وبراين مولروني في كندا، وهاجم خبراء النقد والتحرريون الجدد أنظمة رفاهية الدولة الغربية كعوائق لتنفيذ المشاريع الخاصة على نفقة الدولة. في الثمانينات والتسعينات، ضُغط على الاشتراكيون الأوروبيون الغريبون لتوفيق برامجهم الاقتصادية الاشتراكية مع اقتصاد أوروبا الطائفي المعتمد على السوق الحرة. وفي المملكة المتحدة، قام رئيس حزب العمال نييل كينوك بهجوم عاطفي وعام ضد الميل العسكري للحزب في مؤتمر حزب العمال، وتَنكر لمطالب عمال المناجم المهزومين المُضريين بعد إضراب عامي 1984-1985 ضد إغلاق حفر المناجم. وفي عام 1989، بستوكهولم، المؤتمر الثامن عشر للدولية الاشتراكية التي أخذت على عاتقها إلقاء مبادئ جديدة: أما في التسعينات، انطلاقاً من ضغط اليسار، فإن حزب العمال البريطاني بقيادة طوني بلير افترض سياسات تعتمد على اقتصاد السوق الحر لتقديم خدمات عامة عن طريق عقود خاصة. وفي عام 1995، أعاد حزب العمال وقفته مع الاشتراكية بإعادة صياغة البند الرابع من الدستور، لرفض الاشتراكية بحذف أي وكل المرجعيات للعامة، العامل المباشر والملكية العامة لوسائل الإنتاج. في عام 1995، راجع حزب العمال البريطاني أهدافه السياسية: "حزب العمال هو حزب اشتراكي ديموقراطي. يُعتقد أنه بقوة سعينا سنحقق أكثر مما سنحقق بمفردنا، ولذا لخلق طرق لإدارك قدرتنا الحقيقية، ولأجلنا كلنا، مجتمع فيه القوة والثروة والفرصة في متناول أيدي العديد، وليس القليل." أهداف حزب الاشتراكيين الأوروبيين، الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي الآن "تتبع دولية تهدف لاحترام المبادئ التي يعتمد عليها الإتحاد الأوروبي، هذه المبادئ هي حرية ومساواة وتضامن وديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترام حكم القانون." وكنتيجة في يومنا المعاصر، الصراخ المحتشد للثورة الفرنسية المنادي بـ "مساواة، وحرية، ومؤاخاة" حيث ينادي بالمطلق ويلقي الضوء على الصناعة في المجتمع الفرنسي، ومقترح كقيم اشتراكية جوهرية. في بداية القرن الحادي والعشرين. الذين بَجَلوا الاشتراكية في صراعهم الماركسي والطبقي المتعدد بحثوا عن ساحات أُخرى غير الأحزاب الديموقراطية الاشتراكية في بداية القرن الحادي والعشرين. برزت الحركات المناهضة للرأسمالية والعولمة خصوصاً خلال الأحداث مثل الحدث الذي عارض مؤتمر منظمة التجارة العالمية لعام 1999 كنشاط احتجاجي بمدينة سياتل. الجماعات التي ألهمتها الاشتراكية لعبت دوراً عظيماً في هذه الحركات الجديدة، التي مع ذلك احتضنت طبقات أعرض من السكان، ونصرها أعلامٌ مثل نعوم تشومسكي. قاد احتلال العراق عام 2003 إلى حركة كبيرة ضد الحرب حيث يوضح فيه الاشتراكيون قضيتهم. قادت الأزمة المالية من عام 2007 إلى 2010 إلى مناقشات عامة إذا ما كان ماركس مُحِقاً. نشرت مجلة تايم مقالاً عن إعادة التفكير في منهجية ماركس ووضعت صورة كارل ماركس على غُلاف النسخة الأوروبية خصوصاً لمؤتمر دافوس الاقتصادي عام 2009. وفي استطلاع عام عالمي للرأي في عام 2009 قامت به شبكة البي بي سي في للسنوية العشرين لسقوط جدار برلين، وجدوا أن 23 بالمائة من المستطلعين يعتقدون أن الرأسمالية بها أخطاء قاتلة ويجب اللجوء لنظام سياسي آخر، وبنسبة 40 بالمائة من تعداد سكان فرنسا؛ بينما أغلبية بما فيهم أكثر من 50 بالمائة من المستطلعين الأمريكيين يعتقدون أن الرأسمالية بها مشاكل يمكن أن تُوجه وتُصلح. من السبع وعشرون دولة المستطلعة، أغلبية في 22 منهم تطرح تدعيم الحكومات التي توزع الثروة بالتساوي. أفريقيا. كانت وما زالت الاشتراكية الأفريقية عقائدية أساسية في قارة أفريقيا. ألهمت المبادئ الفابية جوليوس نيريري الذي كان مؤمناً صارماً بالفلاحين الأفارقة وتقاليدهم والأوجاما الذي هو نظام جمعي موجود قبل الاستعمارية الأوروبية طبقاً لنيريري. وكان مؤمناً بأن الأفارقة اشتراكيون بالفعل. ألهمت الاشتراكية فيلا كوتي فنادى بجمهورية أفريقية ديموقراطية. أما في جنوب أفريقيا ترك المؤتمر القومي الأفريقي ميوله الاشتراكية الحزبية بعد امتلاك السُلطة وتبعت طريق تحرري حديث قياسي. ومن عام 2005 إلى 2007، عصف العديد من المتظاهرين من الأحياء الفقيرة البلاد. وإحدى هذه الاحتجاجات أعطت دَفعَة لحركة جماهيرية لسكان الأكواخ. وعلى الرغم من سياسة القمع، دافع أبهالالي بَيزمجوندولو لتخطيط الشعب ضد خلق اقتصاد سوق في الأراضي والإسكان. اليوم أُتهمت العديد من الدول الأفريقية بأنها فشلت تحت اقتصاد تحرري جديد. آسيا. جمهورية الصين الشعبية وكوريا الشمالية ولاوس وفيتنام هي الدول الآسيوية الباقية من اشتراكية التيار الماركسي اللينيني في القرن العشرين. ذهبت الدول ذات الاقتصاد الاشتراكي بعيداً عن تخطيط الاقتصاد المركزي في القرن الحادي والعشرين لتركيز أكبر على الأسواق. تشمل أشكالاً من اقتصاد اشتراكي صيني واقتصاد سوق فيتنامي يميل للاشتراكية. فهم يستخدمون نماذج إدارة تعاونية تملكها الدولة كمقابل لنمذجة مشروع اشتراكي على أساليب إدارة تقليدية تُوظفها هيئات حكومية. في جمهورية الصين الشعبية، قاد الحزب الشيوعي الصيني انتقالاً من اقتصاد قيادي لفترة ماو إلى برنامج اقتصادي يدعوه اقتصاد سوق اشتراكي أو اشتراكية بمعايير صينية. تحت سُلطة دينج شياو بينج، شرعت القيادة الصينية برنامج إصلاح يعتمد على السوق أكثر كسحاً من برنامج القائد السوفييتي ميخائيل جورباشتوف (البيروستريكا) في آخر الثمانينات. برنامج دينج على الرغم من احتفاظه بحقوق الدولة لملكية الأرض والدولة لكثير من قطاعات الصناعات الثقيلة وتأثير الدولة في قطاعات البنوك والماليات. وفي مكان آخر بقارة آسيا، بعض الأحزاب الاشتراكية المُرشحة والأحزاب الشيوعية ظَلَت بارزة، خصوصاً بالهند ونيبال. وخاصة يدعو الحزب الشيوعي في نيبال بديموقراطية الأحزاب المتعددة والمساواة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي. أما في سنغافورة معظم الناتج المحلي الإجمالي ما زال إنتاجه من قطاع الدولة تضم الحكومة والشركات المرتبطة. وفي اليابان، كان هناك تجدد اهتمام بالحزب الشيوعي الياباني بين العمال والشباب. وفي ماليزيا اُنتخب أول عضو من الحزب الاشتراكي الماليزي بالبرلمان مايكل جياكومار ديفاراج بعد الانتخابات العامة عام 2008. نقد الاشتراكية. يرى التحرريون الاقتصاديون والتحريريون الموالون للرأسمالية والتحريريون القدامى أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والتبادلات السوقية كأمور طبيعية وحقوق معنوية حيث أن ذلك مركز مبادئهم للحرية والتحرر، وهكذا فهم يرون أن الملكية العامة لوسائل الإنتاج والتخطيط التعاوني والاقتصادي هي تعديات على الحرية، بعض الانتقادات الأولية للاشتراكية هي أن مؤشرات الأسعار مشوشة أو غائبة، وانخفاض الحوافز وانخفاض الازدهار والجدوى وآثارها السياسية والاجتماعية. ينتقد نقاد المدرسة الكلاسيكية الحديثة للاقتصاد ملكية الدولة ومركزية رأس المال على أسس تفتقر لحافز في مؤسسات الدولة لتقوم بالعمل على أساس سير أعمال الشركات الرأسمالية بنفس الكفاءة لأنهم يفتقروا إلى قيود الميزانية الصارمة، مما يؤدي إلى انخفاض الرفاهية الاقتصادية للمجتمع ككل. اقتصاديو المدرسة النمساوية يصرحوا بأن الأنظمة الاشتراكية التي تعتمد على تخطيط اقتصادي غير مجدية بسبب افتقارهم للمعلومات المطلوبة لتنفيذ حساباتهم الاقتصادية في المقام الأول، نظراً لافتقارهم لمؤشرات الأسعار ونظام الأسعار الحرة حيث أن حجتهم أن ذلك مطلوب من أجل حسابات اقتصادية صحيحة. قناة بنما ممر مائي يعبر برزخ بنما، ويصل ما بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. وتُعد هذه القناة من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم. عملت القناة ـ بعد الإنتهاء من شقها عام 1914 م ـ على تقصير مسافة رحلة السفن ما بين مدينة نيويورك وسان فرانسيسكو إلى أقل من 8,370 كم. وفي الفترة التي سبقت شق هذه القناة، كان على السفن التي تقوم بمثل تلك الرحلة، أن تبحر حول أمريكا الجنوبية قاطعة نحو 20,900كم، وقد ارتفعت حركة المرور السنوي من حوالي 1000 سفينة خلال الأيام المبكره لإنشائها إلى 14702 سفينة في عام 2008 بدأت أول محاولة لبناء القناة في عام 1880 تحت القيادة الفرنسية، ولكن تم التخلي عن بنائها عام 1883 بعد أن توفي 21900 من عمال بنائها وذلك بسبب تفشّي الأمراض (وخاصة الملاريا والحمى الصفراء) والانهيارات الأرضية، بعدها بدأت الولايات المتحدة جهداً حثيثاً في بنائها بعد الفشل الفرنسي الذريع ولكن الثمن كان كبيرا فقد تسبب البناء في وفاة ما يزيد عن 5600 عامل ولكنه أدى في نهاية المطاف في افتتاح القناة في عام 1914. وسيطرت الولايات المتحدة على القناة والمنطقة المحيطة بها. قامت الولايات المتحدة الأمريكية ببناء قناة بنما بتكلفة بلغت 380 مليون دولار أمريكي تقريباً. وقد عمل آلاف العمال في هذه القناة لمدة عشر سنوات مستخدمين مجارف البحار وآلات رفع الأتربة، ليشقوا طريقهم عبر الغابات والتلال والمستنقعات وكان على أولئك العمال أن يتغلبوا على مشكلة الأمراض المدارية مثل الملاريا والحمى الصفراء. استوجب استخدام نواظم ومراكز تحكّم خاصة، يرتفع قاعها أكثر من 25 م عن مستوى سطح البحر وتجتازها سفن ذات أبعاد محددة. في 1 أغسطس 1902 م اشترت أمريكا حقوق قناة بنما من الفرنسيين، حيث كان الفرنسيون هم من كلفوا أولا بشق هذه القناة، إلا أن المشروع الفرنسي تعطل لأسباب عديدة منها طريقة تصميم المشروع، فقام الأمريكيون بالمشروع في تصميم آخر معتمدين فيه على مبدأ بناية السدود على نهر تشاجرز Chagers. خضعت منطقة القناة للولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية بين البلدين بدأت من سنة 1978 م وانتهت سنة 1999 م. استعادت جمهورية بنما سيادتها على القناة بعد إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لها 85 عاما. يمر في قناة بنما أربعة عشر ألف سفينة سنوياً. الوصف. تصل قناة بنما بين المحيط الهادي والبحر الكاريبي والمحيط الأطلسي بواسطة ممر مائي يمر خلال برزخ بنما التاريخ. المقترحات الأولى. ظهرت أول ملاحظات من أجل إنشاء قناة تعبر برزخ بنما في سنة 1543 عندما أمر كلا من ملك إسبانيا وكارلوس الخامس بدراسة مسار خلال بنما من أجل تسهيل عملية التجارة البحرية من إسبانيا إلى البيرو وبالعكس، كما يوفر ناحية عسكرية تكتيكية للإسبان ضد البرتغال. وكان أقدم ذكر مرصود للقناة يعود إلى عام 1534 ميلادي، عندما أمر الإمبراطور الروماني وملك إسبانيا شارل الخامس بدراسة واستقصاء السبل التي من شأنها أن تخفف الطريق على السفن المنطلقة من إسبانيا والبيرو، وخلال رحلة استكشافية بين عامي 1788 - 1793 انتهى أليساندور مالاسبينا من خطط بناء القناة. ونظراً لموقع القناة الاستراتيجي والإمكانات المتوفرة فيها بحيث أنها تقوم بوصل إثنين من أكبر المحيطات في العالم، فقد تمت محاولات لإجهاض فائدة إنشاء هذه القناة بإنشاء خط تجاري بري، إلا أن الظروف القاسية في ذلك الوقت لم تيسر هذه المحاولات في أبريل نسيان من عام 1700م. وفي عام 1849 تم إكتشاف الذهب في كاليفورنيا، الأمر الذي أعطى أهمية كبيرة لوجود القناة لدورها في تسهيل عبور السفن بين المحيط الأطلسي والمحليط الهادئ. وفي نهاية الأمر تم بناء سكة حديدية في عام 1855 في بنما لتسهل عبور هذا المضيق. وأصبحت هذه السكة هي الرابط البري الحيوي بين بنما ونصف الكرة الغربي، وسهل هذا الأمر من تنقل التجارة بشكل كبير، وكذلك قلل من أهمية القناة فيما بعد. محاولات البناء الفرنسية 1881 - 1894. بدأت أول محاولة لبناء القناة عن طريق ما كان يعرف آنذاك بمقاطعة كولومبيا على بنما في 1 يناير 1881، وقد تم تصميم مشروع القناة ليكون على مستوى سطح البحر، وكان تحت قيادة فرديناند دي ليسبس الذي قام ببناء قناة السويس بتمويل كبير ودعم من باريس في ذلك الوقت. وقد بدأت فكرة إنشاء قناة بنما لصعوبة الوصول إلى المناطق المدارية. وقد أفلست فرنسا في ذلك الوقت بعد أن قامت بدفع 287.000.000 دولار لبناء القناة، وخسارة أكثر من 22 ألف شخص كانوا يعملون في بناء القناة لقاء الأمراض المنتشرة مثل الملاريا والحمى الصفراء والانهيارات الصخرية. هذا العدد الضخم من الوفيات قلل من وجود القوى العاملة ذات الخبرة، مما سبب الكثير من المشاكل في استمرار العمل، وكذلك عانى الفرنسيون أثناء بناء القناة من فساد الإدارة المالية وكذلك الفساد السياسي. كل ذلك أدى إلى قيام الشركة المكلفة ببناء القناة بإعلان إفلاسها في 15 مايو من عام 1889. تلا ذلك خروج فضيحة سميت بفضيحة بنما، وحوكم العديد من المسؤولين الذين اتهموا باختلاس الأموال المخصصة في بناء القناة، وكان على رأسهم تشارلز دي ليسبس وكذلك ابنه فرديناند، وتم الحكم عليهم بالسجن خمسة سنوات، وتم نقضها فيما بعد. وفي عام 1894 قامت شركة فرنسية أخرى تسمى Compagnie Nouvelle du Canal de Panama بتولي مشروع بناء القناة إلا أنها فشلت فيما بعد كذلك. استحواذ الولايات المتحدة الأمريكية على المشروع. قام مجلس الشيوخ الأمريكي بمناقشة آراء حول رغبة الولايات المتحدة على بناء قناة تخترق الجنوب الأمريكي لتسهيل نقل البضائع التجارية، فأبدى البعض منهم رأياً ببناء قناة جديدة تمر عبر قناة نيكاراغوا، وأبدى البعض الآخر رأياً بالاستحواذ على مشروع قناة بنما الذي لا يزال في فشل. وفي حزيران من عام 1902 صوت مجلس الشيوخ الأمريكي على اختيار الخيار البنمي . وفي 22 يناير من عام 1903 قام وزير الخارجية الأمريكية جون هاي ووزير الخارجية الكولومبي توماس هيران بتوثيق معاهدة هاي هيران، ويُمكِّن هذا التوقيع الولايات المتحدة على استئجار القناة بعقد قابل للتجديد للأبد، وتمت المصادقة على هذه المعاهدة من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي في يوم 14 مارس 1903، ولكن مجلس الشيوخ الأمريكي لم يقم بالمصادقة عليها. فقامت الولايات المتحدة بالقيام بمنع السفن الكولومبية من التحرك في الممرات البحرية الأمريكية للضغط على الحكومة الكولومبية بالسماح لها بالاستحواذ على مشروع قناة بنما، ولقاء ذلك قامت الحكومة الكولومبية بتوقيع اتفاقية جديدة باسم هاي بوناو فاريلا، والتي قامت بمنح الحكومة الأمريكية حق بناء القناة وإدارتها لأجل غير مسمى. أعمال التوسيع في بداية القرن الحادي والعشرين. تم البدء بتوسيع القناة عام 2006 وتم الانتهاء في عام 2016 وبكلفة 5.25 مليار دولار أمريكيّ. الكهرباء الساكنة أو الكهرباء السكونية أو الكهرباء الستاتية هي فرع "العلم الذي يتعامل مع ظاهرة الانجذاب الكهربائي. منذ التاريخ القديم كان معروفا أن بعض المواد تجذب الحبيبات الصغيرة بعد دلكها. كلمة إلكترون أطلقت على أجزاء كثيرة من العلم الطبيعي. ظاهرة الكهرباء الاستاتيكية جاءت من القوى الكهربية التي تحدث بين الشحنات المختلفة. هذه القوى وصفها قانون كولوم. ولكن هذه القوى تعتبر قوى ضعيفة، فالقوى الكهربائية بين الالكترون" والبروتون, التي تجعلهم منجذبين لبعض في ذرة الهيدروجين, حوالي 40 ماجنينيوت من قوة التجاذب بينهم. تنشأ الكهرباء الساكنة بسبب تجمع الكترونات أو غيابها في منطقة ما. تتمثل الكهرباء السكونية بتجمع الشحنات الكهربائية على أجسام المعدات المختلفة، وهي ظاهرة طبيعية. تكمن المشكلة في تجمع الشحنات على جسم ما للحد الذي يشكل انتقالها إلى جسم آخر حدوث شرارة كهربائية, في الطبيعة يتم تحرك وانتقال الشحنات من جسم إلى آخر بحرية لا يضبطها إلا قانون أو خاصية بسيطة وهي انتقالها من جسم إلى آخر بهدف التعادل والتوازن بين كمية الشحنات المتجمعة. عند تحرك هذه الشحنات يحصل سريان لحظي للتيار الكهربائي ، كما تحصل شرارة كهربائية عند تحرك الشحنات من موقع إلى آخر عبر الجو، أي عندما تقفز تلك الشحنات من جسم ذو كمية عالية من الشحنات إلى الجسم الآخر ذو شحنات أقل. يمكن ملاحظة هذه الظاهرة يوميا عند خلع الملابس المصنعة من النايلون أو البوليستر في غرفة مظلمة ليلا فسنلاحظ ظهور شرر وصوت لفرقعات بسيطة وهذا نتيجة لانتقال الشحنات الكهربائية. كذلك يمكن ملاحظة هذه الظاهرة عند تقريب ساعدنا المشعر من شاشة التلفاز فسنلاحظ وقوف الشعر وانجذابه إلى شاشة التلفاز. وكذلك عند تمشيط شعرك في يوم جاف ستلاحظ انجذاب الشعر نحو المشط . تشكل هذه الظاهرة مشكلة كبيرة في الصناعة والمعامل وخصوصا في الصناعة النفطية والغازية مثلا، انتقال الشحنات قد يسبب شرارة قد تكون كافية لإيقاد الغازات والأبخرة المتواجدة بالموقع. لتجاوز مشاكل هذه الظاهرة بسيط في ظاهره وهو جعل كافة الأجسام متعادلة من حيث تجمع الشحنات عليها، فلن يكون هناك تجمع للشحنات على جسم ما يفوق ما هو متجمع على الجسم الآخر. لذا من العادة ربط جميع الأجسام المعدنية في المعمل مع بعضها وربطها مع الأرض من خلال نظام للتأريض بهدف تفريغ كل الشحنات الكهربائية المتجمعة إلى الأرض حيث تنتقل الألكترونات من الجهد المرتفع إلى الجهد المنخفض وحتى إذا كانت حرة الحركة . تبقى مشكلة الشحنات المتكونة في الغيوم وتفريغها في ما بينها وبين الأرض والتي تتكون نتيجه فصل الأرض ( المتعادلة ) للشحنات السالبة والموجبة مما يؤدي إلى نشأة قوة تجاذب هائلة بين السحابة والأرض والتي كثيرا ما سببت في حرائق الغابات، أما لحماية الأسقُفْ والأبنية المرتفعة فيكون بواسطة نظم لمانعات الصواعق والتي تقوم بتسريب الشحنات والجهد الكهربائي العالي المصاحب لها للأرض. ومن الجدير بالذكر ان الكهربائية الساكنة (الاستاتيكية) تستقر على سطوح الأجسام دائما وذلك لأن الشحنات المتولدة على الجسم تكون من نوع واحد ونتيجه لذلك تنشأ قوى تنافر فيما بينها فتحاول أن تأخذ أقصى مسافة فيما بينها فتتجه إلى الخارج. وعلى هذا الأساس لا يصاب ركاب الطائرة بالصاعقة عند مرورهم من خلال غيمه مكهربة. فتستقر الشحنات على سطح الطائرة ولا تتدخل إلى الداخل ولكن قد رجح العلماء بأن للكهرباء الساكنة وتواجدها على البشرة بشكل مباشر قد يساهم في الإصابة بسرطان الجلد . ولكن هناك العديد من الفوائد لهذه القوة حيث تحد من التلوث بسبب استطاعتها على تجميع السناج من المداخن . وكذلك تستخدم آلات التصوير الفوتوجرافي الكهرباء الساكنة لوضع الحبر الأسود على الورق . اكتشاف ظاهرة الكهرباء الساكنة. اكتشفت ظاهرة الكهرباء الساكنة قبل الميلاد بنحو 600 سنة، عندما أدرك اليونانيون قديما بعض الظواهر الكهربية، فقد لاحظ الفيلسوف طاليس ( 600 ق.م ) ، أنه عند حك قطعة من الكهرمان بقطعة قماش فإنها تجذب ريش الطيور والخيوط الصوفية أو القطنية . وكان العالم الإنجليزي وليم جلبرت ( 1544 م - 1603 م ) من أوائل العلماء الذين تقصوا الظواهر الكهربائية ولاحظ أن هناك مواد أخرى تمتلك خاصية الجذب، واشتق جلبرت تسميته لقوة الجذب المجهولة هذه من لفظة إلكترون ( اسم الكهرمان باليونانية ) فأطلق عليها Electr ، ونحن العرب حذونا حذوه باشتقاق كهرباء من كهرمان . في عام 1733 م، وجد الكيميائي الفرنسي شارل أن بعض الأجسام تتجاذب عند الحك، وبعضها الآخر يتنافر، لذلك جزم شارل بأن الكهرباء سيلا من نوع ما، وأن هنالك نوعين منها، الأولى : تتولد عند حك الزجاج بالشعر أو الصوف ؟ والثانية : تتولد عند حك الكهرمان بالحرير؟ وأن النوعين المختلفين يتجاذبان بينما النوعان المتماثلان يتنافران . كان بنجامين فرانكلين أول من اقترح فكرة الشحنات الكهربائية الموجبة والسالبة في القرن الثامن عشر. كما بيّن أن البرق هو انتقال شحنات كهربائية ساكنة، عن طريق تطيير طائرة ورقية في عاصفة رعدية وحصوله على شرار تفريغ كهربائي، حيث ربط مفتاحًا معدنيًا في طرف خيط طائرة ورقية وأطلقها لتحلق في الهواء أثناء عاصفة رعدية. فتسببت كهرباء السحب في رفع الجهد الكهربائي، وأدى هذا الجهد الكهربائي العالي إلى حدوث شرارة كهربائية بين المفتاح والأجسام الموجودة على سطح الأرض، مما أوضح أن السحب مُكهْربة. وقد حالفه الحظ في تلك التجربة بالنجاة من الموت، ولكن تسببت تجربته في وقوع حوادث خطيرة إذ إن بعض الذين قاموا بإطلاق الطائرات الورقية للتحليق أثناء العواصف قد صعقهم البرق. بين الإنجليزي ستيفن ( 1666 م – 1736 م ) أن بعض المواد توصل الكهرباء، وبعضها الآخر لا يوصل . وقد استطاع نقل الكهرباء المتولدة من دلك أنبوب زجاجي طوله أكثر من 100 متر. هوندا (باليابانية: 本田) هي شركة لصناعة السيارات، وأكبر مُصَنِع للدراجات النارية في العالم ويقع مقرها الرئيسي في مدينة طوكيو باليابان. بالإضافة إلى صناعة السيارات والدراجات، تقوم الشركة بصناعة جزازات العشب، مدافع الثلج، محركات خاصة بالقوارب، ومجموعات توليد الطاقة الكهربائية وغيرها من المعدات الكهربائية والميكانيكية. تنتج الشركة ما يقرب 14 مليون من محركات الاحتراق الداخلي بأصنافها المختلفة، وتعتبر بذلك أول منتج للمحركات في العالم. التاريخ. كان مهندس الميكانيكا الياباني "سوإيتشيرو هوندا" مولعا بسباقات السيارات والدراجات، أودع أول براءة اختراع سنة 1931 م. قام عام 1937 م بتأسيس شركة لصناعة حلقات المكابس (تستعمل لضمان منع تسرب الضغط بين المكبس وأسطوانات المحرك أثناء عمله)، وكان يعيد بيع منتجاته لشركة "تويوتا" للمحركات، واستمر على ذلك حتى نهاية الحرب العالمية. عرفت سنة 1948 م تأسيس "شركة هوندا للمحركات"، ولما كان يريد أن يتفرغ للهندسة، قام "سوإيتشيرو" بتعيين "تاكي-أو فوجيساوا" على رأس الشركة. في بداية الستينيات، قامت الشركة بتصنيع أولى الشاحنات والسيارات الخاصة بها، عرفت هذه التصاميم نجاحا كبيرا، إلا أن النجاح الأكبر الذي حققته الشركة كان اقتحامها للسوق الأمريكية، قامت "هوندا" بتسويق منتجاتها من السيارات والدراجات النارية وحظي بعض الأصناف بشعبية كبيرة، بيعت ملايين النسخ من سيارة "سيفيك" عام 1976 م، كما أصبحت "أكورد" السيارة الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة خلال هذه الفترة. بعد هذه النجاحات، أصبحت "هوندا" ثالث مُصَنِع للسيارات في اليابان، بعد "تويوتا" و"نيسان". في سنوات التسعينيات وبعد اقتحام اليابانيين السوق الأمريكية، بدأت شركات السيارات الكبيرة في أمريكا حملة مضادة لاستعادة السوق المحلية. عرفت السوق أثناء هذه الفترة اهتماما متزايدا بالسيارات الرياضية وذات الاستعمال النفعي، كانت "هوندا" قد أهملت هذين الصنفين من السيارات. كل هذه العوامل ساهمت في تراجع رقم مبيعات الشركة. شرعت الشركة في عملية إعادة هيكلة جذرية، تم خفض التكاليف ونقل أجزاء مهمة من وسائل التصنيع إلى شمال أمريكا. عادت الحيوية من جديد، وتزايدت مبيعات سيارتي "سيفيك" و"أكورد"، تم بالإضافة إلى ذلك استحداث تصاميم جديدة، سيارات صغيرة نفعية، على غرار "أوديسي"، مما ساعد في الدفع بمؤشر الشركة للأعلى مرة أخرى. تصاميم الدراجات النارية. سلسلة TRX البُن هو من النباتات يتبع ال الفوية من الجنطيانيات. والبن شجرة دائمة الخضرة ذات ثمار حمراء اللون في حالة نضجها، وتحتوي على مكونات قد تكون ضارة بالصحة مثل الكافيين. غير أن إحدى أحدث الأبحاث العلمية أشارت إلى انخفاض في نسبة المصابين بالنوع الثاني من داء السكري بين الذين يتناولون القهوة، وبالأخص القهوة منزوعة الكافيين. كما أن له تأثيرات سلبية سيئة على الذاكرة المؤقتة، فقد نشرت إذاعة بي بي سي على موقعها بتاريخ 20 يوليو 2004 خبر دراسة من المدرسة الدولية للدراسات المتقدمة في إيطاليا يقول بأن الكافيين يمكن أن يعيق الذاكرة المؤقتة وتذكر بعض الأسماء. لذلك يشار للطلاب باجتناب شرب القهوة والشاي والكوكا وغيرها من الأشياء المحتوية على مادة الكافيين دائماً وخاصة أيام الامتحانات. القهوة في اللغة. قها (تاج اللغة وصحاح العربية) القَهْوَةُ: الخمر، يقال سمِّيت بذلك لأنَّها تنفع وقت الجماع أي تذهب بشهوة الجنس. أقْهي الرجل من الطعام، إذا اجتواه وقلّ طُعمه، مثل أقْهَمَ. والقاهي: الحديدُ الفؤادِ المستطار. قال الراجز: قاهي الفؤادِ دَئِبُ الإجفالِ. شجرة البن. تنمو شجرة البن طبيعياً في المناخ الاستوائي الذي يكون حاراً رطباً في موسم النمو، وحاراً جافاً في موسم القطاف. القهوة بالعربية هي كل ما يشرب على مهل فكان يقال يتقهوون خمراً أي مجتمعون يشربون الخمر ولكن بعد اكتشاف البن انحسر الاسم على المشروب المصنوع من البن. أما الاسم كافي فقد أتى من اسم مكتشف القهوة أو من اكتشفها والذي سمي المشروب باسمه بادِئ الأمر وهو الشيخ الصوفي الكاف وكانت تسمى قهوة الكاف وحينما أتى البرتغاليون لليمن واحتلوا المكلا وعدن وجدوا المشروب فحملوه للعالم وباسمه الأصلي مع تحريفات بسيطة. القهوة من راعي الغنم إلى الكاباتشينو. تُروى حكاية قديمة عن أن راعياً فُوجئ بغنمه، وقد اعترتها حالة غير عادية من الحيوية والنشاط، عندما أكلت من شجيرة معينة. لم يستغرق الأمر من الراعي وقتا طويلا حتى قرر أن يتناول هو الآخر بعضاً من هذه البذور؛ ليجربها بنفسه، ويكتشف الأثر الواضح لزيادة نشاطه وحيويته، وكان هذا سبباً في اكتشاف شجرة البن التي يُصنع منها مشروب القهوة، الذي يعد من أكثر المشروبات انتشارا واستهلاكا في العالم. وقد قيل أن أول من اهتدى إليها هو أبو بكر بن عبد الله العيدروس وكان أصل اتخاذه لهذه البذرة أنه مر في أحد سياحاته (وقد كان صوفيا) بشجرة فأكل من ثمرها حين رآه متروكاً لا ينتفع به أحد مع كثرته فوجد به تجفيفا للدماغ واجتلاباً للسهر وتنشيطاً للعبادة فاتخذه قوتاً وشراباً وطعاماً وأرشد أتباعه إليه ثم نشر ذلك في الحجاز واليمن ومصر. أنواع القهوة. إن محاولة حصر أنواع القهوة تكاد تكون أمراً صعباً لتعدد أنواعها وتفنن كل مقاهي العالم بما تقدم، لكن فيما يلي بعض أنواع القهوة الشهيرة: اما القول بأنها هي النسكافيه فخطأ، ((والنسكافيه)) أول من أنتجها شركة نستله في سويسرا وليس أمريكا. وهو أول اسم اطلق على القهوة الفورية. - القهوة التركية: هي قهوة ثقيلة غامقة، تصنع على الأغلب من حبات القهوة البرازيلية. تطحن بدرجة ناعمة جداً وتختلف في درجة تحضيرها بغليها جيداً أو الغلي السريع. تقدم في فنجان صغير بيد مع صحن صغير، وتعتبر فناجين القهوة التركية الأكثر شهرة واستخداما وتتميز بزخرفتها، كما يقدم معها السكر بدرجات متفاوتة حسب الرغبة. - اسبرسو: قهوة إيطالية خفيفة وغامقة جداً، تصنع بواسطة ماكينة خاصة تعمل على تسخين القهوة المطحونة بالبخار ثم تمرير تيار خفيف من الماء المغلي عليها. تقدم في فنجان صغير يشبه الفنجان التركي، ولكنه عادة يكون سميكاً وأبيض اللون أو شفافا، وتقدم الاسبرسو إما Double Espresso أو Doppio Espresso وهي تقدم في فنجان كبير للمحترفين في شرب القهوة عادة بدون تخفيف أو سكر، أما الآخرون فيقدم لهم السكر الأسمر إن أرادوا تخفيفها، كما أن البعض يفضل أن يضع عليها بضعة قطرات من نكهة اللوز، وهناك أيضاً الاسبرسو المخفف حيث يوضع عليها ماء قليل جداً مع الحرص على إبقائها بالكثافة نفسها. - الكابوتشينو: قهوة إيطالية تتألف من الاسبرسو بمقدار الثلث وثلث حليب وثلث حليب مبخر ومخفوق يظهر كأنه كريمة، وتقدم في أكواب كبيرة، وتكون الكريمة المخفوقة مرتفعة على الوجه ويرش عليها بودرة الكاكاو أو بودرة الدارسين، ويقدم معها السكر لمن يفضل ذلك. - الموكا: قهوة رائعة من اليد الفرنسية أو الإيطالية، وقد جاءت هذه التسمية من ميناء المخا Mocha وهو أشهر ميناء كان يصدر منه البن اليمني إلى أنحاء العالم، وتتألف من القهوة السادة الثقيلة بمقدار الثلث، وثلث من الشوكولاتة الحارة غير المحلاة، وثلث من الحليب الفوار إلى درجة إخراج رغوة، وتقدم بكوب كبير. - قهوة الحليب Café au Lait: قهوة فرنسية وإن كانت كل دول العالم تعملها بتسميات مختلفة، وهي عبارة عن مقدارين من القهوة السادة مع ثلاث مقادير من الحليب المخفوق، وتقدم في فنجان كبير. - القهوة الأيرلندية: وهي قهوة ثقيلة تخلط مع الكريمة المخفوقة وويسكي وتقدم مع السكر، وبطبيعة الحال كلنا نعلم أن الشعب الأيرلندي من الشعوب الأكثر استهلاكاً للكحول، وبالتالي فإن القهوة الكحولية تسير مع ذات الروح الأيرلندية. - قهوة فيينا Viena Coffee: هي قهوة متوسطة الطعم تخلط مع ثلث مقدار من الحليب كامل الدسم، ويرش على الوجه كريمة مخفوقة وفوقها دارسين ناعم أو سكر أسمر. - القهوة المثلجة: نعتقد بأن القهوة المثلجة أمريكية، ويقول الأمريكيون بأن أصلها عربي، وهي قهوة ثقيلة باردة مع حليب بارد وسكر. يبلغ ارتفاع شجرة البن ستة أمتار طولاً أو أكثر، لكنها تقلم كي لا ترتفع أكثر من نحو أربعة أمتار، وأزهار شجرة البن بيضاء اللون وثمراتها حمراء ويكون تلقيحها ذاتيا، تستكمل الشجرة نموها في ستة أعوام أو ثمانية، وتحصد بذور البن بالآلات أو عن طريق هز الشجرة.